Site icon صحيفة الوطن

التفاؤل والرِّجْل الخضراء

كانت عمتي لأبي الحاجة آمنة كثيرة التشاؤم، فإذا ما همت بالخروج من البيت، وصادف أن سألها أحدهم أو إحداهن: يا مهوّن يا حجة، تشتمه وتصفق الباب وتعود إلى فراشها في غرفتها، لأنها تعتقد أن يومها لن يكون جيداً بسبب هذا السؤل..!
وعدت بقراءتي إلى المتشائمين من الأدباء والشخصيات من تاريخنا الأدبي من ابن الرومي وسواه الذين عرفوا بالطيّرة والتشاؤم، بل ورسموا الحياة وفق هذا المنهج وجاء أدبهم دالاً على تأثرهم بالعامل النفسي، والذي لا ريب فيه أن التطيّر هو حالة نفسية مرضية تؤثر في حياة الفرد والمجتمع على السواء.. والسؤال: إن ما يقابل التشاؤم هو التفاؤل، فهل يمثل التفاؤل حالة مرضية أيضاً، أو أنه حال إيجابية؟!!
يتبادر إلى الذهن مباشرة أن التفاؤل حالة صحية إيجابية، وهذا غلط، فقد يكون التفاؤل في غير محله، وقد يكون اتكالياً، وقد يكون غيبياً، وقد يكون دليل عجز، وقد يدفعنا إلى إلقاء المسؤوليات والقبعات على الآخرين، أو على الغيب والألوهة، فنمضي أعمارنا ونحن نتفاءل بما لن يكون!
فيما عدا ذلك التفاؤل سمة حياتية مهمة، فعندما تقابل شخصاً تتبسم له وتتفاءل به، وقد يكون هذا الشخص غير ذلك، ولو كنت صاحب مصلحة مهنية تبدأ يومك بكثير من التفاؤل، وقد تقابل امرأة أو رجلاً، فتجد أن الحياة فتحت لك أبوابها، وتقول: وجهه حلو، والدنيا قبول، على العكس من التشاؤم والتطيّر، وحقاً إن كثيرين منا، حتى من عرف بالعلمانية وعدم الإيمان يجد وجود شخص في حياته هو السبب في ارتزاقه، وأن وجود هذه المرأة في حياته هو وجود خير وسعد.
وفي جلسة مع صديق من النخبة المثقفة، وهو مهني أيضاً، تجاذبنا أطراف الحديث، لأجد الدكتور سركيس يحدثني وبقناعة تامة عن هذا التفاؤل ومصدره في الحياة، من خلال تعبير مهم للغاية (رجله خضراء) واستمعت باهتمام لهذا التعبير، وكانت مسوغاته مقنعة تماماً، فعندما يأتي إلى مؤسسة قد يبدأ اليوم بعدد من الناس الذين يسهمون في جفاف الرزق، وقد يقابل عدداً من الناس، خاصة في الصباح الباكر، وهؤلاء يأتون ويأتي الرزق معهم ، ويطلق عليهم اسم (رجله خضراء) وحدثني عن حالات عديدة لم تحزم واحدة منها عن أصحاب النحس وأصحاب الرجل الخضراء، وهو في مؤسسة يحاول أن يستبقي من يجد أن رجله خضراء وتجلب الرزق أكبر مدة ممكنة!
ووسط استغرابي حدثني عن والده الذي كان يدور قبل خمسين عاماً لجمع الأسبوعية من تجار المفرق الذين يتعامل معهم ويورد لهم بضاعة مؤسسته، وكيف أن بعضهم كان يستضيفه من باب أن رجله خضراء، أمر وارد هذا الأمر، ويتعلق بالنفسية التي يمتلكها كلا الشخصين، فأنا قد أرى أحدهم كذلك لمجرد أنني أحبه وأرتاح إليه، ولا أجد في الآخر هذا الأمر مع أنه قد يكون عظيماً ولطيفاً ورجله خضراء، وفي الحقيقة، إن هذا الأمر ، ولا أحد يملك الحقيقة، يخضع أيضاً لصاحب الرجل، إن كان من الحاسدين والمبغضين الذين تضيق نفوسهم وأرواحهم على الآخرين، ولا يحبون أن يروا النعمة على أحد ويتمنون زوالها عن سواهم، حتى لو لم تأت إليهم، المهم أنهم يحبون زوال النعم عن الآخرين!
هناك مثل هذه المفهومات، وهي صحيحة بجملتها، ولا يمكن إنكارها اجتماعياً ودينياً، وحتى من ينكر مثل هذه القضايا عندما يتبع نهجاً لها نجده يغير من قناعاته وآرائه.
في تراثنا الدمشقي القريب نقرأ ويتحدث المعمرون الكبار في السن عن التاجر الذي كان لا يبيع على بيع جاره،ولا يحاول أن يأخذ زبوناً من جاره، ويتنازل عن الزبون إن كسب رزقاً وجاره لم يأته من يشتري من دكانه أي شيء، فهل نكتفي بفكرة الرجل الخضراء، أم إن الأمر أكبر يتعلق بأخلاق المجتمع والناس، بالتربية والسياسة والظروف الاجتماعية؟
هل يبست كل الأرجل ولم يبق من رجل خضراء؟
هل … وهل؟
الأمر يتجاوز التشاؤم التفاؤل، ليصل إلى عمق بنية المجتمع.
ولتخرج الحاجة آمنة دون أن تهتم لمن يسأل عن وجهتها، وليقل علماء الأبراج ما يقولون، فالإنسان قادر على تغيير دفة الأمر كما يشاء!

Exit mobile version