من دفتر الوطن

حرية التعبير ممنوعة!

| فرنسا- فراس عزيز ديب

هكذا، يبدأ المغتربون السوريون صباح اليوم الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية 2021، هُنا لا يسعنا إلا أن نشكرَ الدول التي سمحَت للسوريين بالاقتراع على أراضيها لأنها فعلياً تستحقُّ هذا الشكر، وياللمفارقة بتنا في زمنٍ نضطرُ فيهِ لنشكرَ الدول التي تسمح للسوريين بالتعبيرِ عن آرائهم، علماً أن الدول التي منعَت إجراء الانتخابات على أراضيها وحرمت السوريين من التعبيرِ عن آرائهم تدَّعي ليلَ نهارٍ حرصها على حرية الرأي للسوريين!
قد نتفهم قيام دولة كتركيا بمنع تنظيم هكذا انتخابات، فهل لنا مثلاً أن نتخيلَ بأن الكيان الصهيوني سيسمح للإرهاببين الذين تعالجوا في مشافيهِ أن يدلوا بأصواتهم؟ النظام التركي والكيان الصهيوني وجهان لذات القبح، لكن أن تقوم دول تدَّعي بأنها من عتاة حرية الرأي والتعبير بهكذا منع كألمانيا، هنا يبدو لنا جلياً ماذا تعني فكرة ازدواجية المعايير الأوروبية وحرية التعبير الانتقائية!
قرار المنع هذا ليسَ بجديدٍ، لكن ما هو جديد تنازل بعض الدول عن هذا المنع، علماً أنهم في السابق سوغوا منعهم بقراراتِ قضائية، هنا سنعود بالذاكرة لتاريخ 23 أيار 2014 عندما أصدر مجلس الدولة الفرنسي قرارهُ رقم 380560 والذي أكد فيهِ بطريقة «الهروب بذريعة عدم الاختصاص» قرارَ الحكومة الفرنسية الذي منعَ إجراء الانتخابات الرئاسية السورية على الأراضي الفرنسية، وبالتالي حرمان السوريين من الإدلاء بآرائهم، يومها استند القرار إلى ما سماهُ «وجهة النظر الفرنسية من الحل السياسي في سورية»، لكن لا يمكن لوجهةِ نظر حكومية أن تكون سبباً لهكذا منع، كما أن الحل السياسي الذي تحدثوا عنه حرفياً في نص القرار لم يتم تحقيقه بعد سبع سنوات فلماذا لم يمنعوا الانتخابات في العام 2021؟ الأمر هنا تعدى فكرة ازدواجية المعايير إلى ازدواجية في الأحكام القضائية!
يومها فوجئ الكثير من الفرنسيين المحبين لسورية بهذا القرار، لأنه أساساً يتعارض مع الدستور الفرنسي الذي كفلَ حرية الرأي والتعبير على التراب الفرنسي، بذات الوقت حاولت الحكومة الاستماتة لتبريرِ هذا القرار، لم تكتف فقط بشرحهِ على وسائلِ الإعلام بل وصل بهم الحد إلى زجه بالعملية التعليمية، حيث قامت إحدى الجامعات الفرنسية بإدراج نص القرار كسؤالٍ رئيسي ووحيد من 60 علامة في امتحان مادة «القانون الإداري» لإحدى سنوات الدراسات العليا في القانون، نجحوا بوضع الطلاب يومها أمام امتحانين، الأول بالقانون والثاني بالقناعات، أرادوا وضعهم أمام خيارين، إما التحدث قانونياً ليبرروا لأصحاب القرار ما يريدونه في السياسة، أو التحدث بالقناعات فيضعوا طموحاتهم الشخصية جانباً.
هكذا نفهم كيف تُبرر تلك الحكومات ازدواجيةَ معاييرها، هكذا نفهم كيف يتم في الغرب تدجين القرارات الحكومية بالوقت الذي يسخر فيه بعض «ليبرالو هذا العصر» حتى من مجردِ طرح هكذا فكرة لقناعتهم شبه الغبية بأن «كل افرنجي برنجي».
في الخلاصة: لن نتفاجأ أبداً بقيام أي دولة شاركت بطريقةٍ أو بأخرى بمنع السوريين من التصويت بل على العكس سنتفاجأ إن سمحَت لهم، لكن ما يريحنا بأن السوريين المؤمنين بوطنهم أياً كانت خياراتهم السياسية وأياً كان مرشحهم ليسوا بحاجة لهذه الورقة ليثبتوا ولاءهم، ستتم الانتخابات السورية وسيقول السوريون كلمتهم بعيداً عن الترهيبِ والترغيب.. موتوا بغيظكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن