Site icon صحيفة الوطن

واشنطن تعمد إلى توسعة جديدة لفتحة الفرجار

في خطوة عملية أولى جاءت بعيد انعقاد قمة الرئيسين الأميركي والروسي في جنيف 16 حزيران الجاري، برزت لدى واشنطن نزعة ترمي إلى توسعة الفرجار الراسم للدائرة التي يستخدمها «القلم» الأميركي إبان محاولاته التي تهدف إلى تأطير دائرة التسوية السياسية في سورية، في مؤشر يوحي، بل يؤكد، على حجم التباعد الحاصل بين موسكو وواشنطن في تلك القمة تجاه الملف السوري، أقله فيما يخص التمديد للقرار 2533 الذي يقضي بإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبري باب الهوى مع تركيا واليعربية مع العراق، والذي بات من المؤكد أن واشنطن باتت تنظر إلى أمر كهذا على أنه يمثل المنبر الأهم الذي يمكن له أن يثبت أقدامها في سورية المستقبلية، وخصوصا بعدما راجت تقارير، وهي تمتلك الكثير من الواقعية، تشير إلى احتمال حدوث انسحاب أميركي من مناطق شرق الفرات، تماشياً مع السياقات التي تنتهجها واشنطن في أفغانستان التي بدأ انسحاب القوات الأميركية منها منذ شهر أيار الماضي، جنباً إلى جنب مع تخفيف وجودها العسكري في مناطق الخليج العربي.
هنا لا بد من القول قبيل أن نمضي بالعرض لتوسعة الفرجار آنفة الذكر، إن ثمة «طعماً» كان قد رماه الأميركيون لنظرائهم الروس في قمة جنيف، وهو يتمثل بالإيحاء بأن التقدم في معالجة الجانب الإنساني في سورية سوف يتبعه بالضرورة تقدم في الجانب السياسي الذي تعمد موسكو إلى تثقيله في هذه المرحلة، والمؤكد هو أن موسكو لم تبتلع الطعم بدليل ذهاب واشنطن إلى انتهاج سياسة التوسعة التي تأتي عشية التصويت على تمديد القرار الأممي آنف الذكر في محاولة ترمي لتطبيق ضغوط أشد من تلك التي مورست في السابق لعلها تفضي إلى مرونة روسية تبدو متعذرة حتى الآن.
أعلنت الخارجية الإيطالية قبل أيام عن استضافة اجتماع لـ«التحالف الدولي» لمحاربة «تنظيم الدولة الإسلامية» سيعقد في العاصمة الإيطالية روما في 28 حزيران الجاري على أن تترأسه الولايات المتحدة ممثلة بوزير خارجيتها أنتوني بلينكن، والاجتماع سيضم وزراء خارجية «المجموعة المصغرة» التي تضم إلى جانب الولايات المتحدة كلاً من بريطانيا وألمانيا وفرنسا ثم السعودية ومصر والأردن، وفي تقرير لها، استندت فيه إلى مصادر أميركية لم تسمها، قالت جريدة الشرق الأوسط الثلاثاء 22 حزيران، إن واشنطن ستعمل على عقد اجتماع آخر على هامش الاجتماع سابق الذكر سيضم وزراء خارجية الدول السبع الكبار «مجموعة G 7» إضافة إلى وزراء خارجية «المجموعة المصغرة» على أن يلتحق بالركب وزراء خارجية كلٍ من تركيا وقطر، والتقرير إياه أشار أيضاً إلى أن المبعوث الأممي للأزمة السورية غير بيدرسون سيحضر الاجتماع حاملاً معه اقتراحين سيطرحهما أمام هذا الحضور واسع الطيف، أولاهما تشكيل مجموعة دولية – إقليمية من الأعضاء الدائمين والمؤقتين في مجلس الأمن لبحث الملف السوري، وثانيهما تقريب وجهات النظر بين روسيا والولايات المتحدة حول سورية.
ما يفهم من السياقات السابقة، أي اجتماعي روما المنتظرين واقتراحي بيدرسون، أن واشنطن قررت ممارسة فعل التعطيل الذي يبدو أنها قادرة عليه، في الوقت الذي لا تستطيع فرض رؤيتها على مسار الحل السياسي، بل لا تستطيع رسم نصف اللوحة الناجمة عن هذا الأخير في ظل الحضور العسكري الروسي الطاغي، وكذا في ظل إصرار روسي للعب دور اقتصادي داعم لدمشق ظهر جلياً إبان زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف الأخيرة لدمشق، ولذا فقد عمدت إلى التحشيد في مواجهة التصلب الروسي، مستغلة الشقوق الحاصلة بين روسيا من جهة وأوروبا من جهة أخرى، والتي ظهرت جلية مؤخراً في حديث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أمام الدورة التاسعة لمؤتمر موسكو للأمن الدولي التي انعقدت يوم 23 حزيران الجاري، أي عشية انعقاد القمة الأوروبية يومي 24 و25 حزيران، وفيه، أي في ذلك الحديث، حذر شويغو من الوضع الحالي في أوروبا الذي وصفه بأنه «قابل للانفجار»، ثم أضاف: إن «بعض الدول الأوروبية تبدو مهتمة بتصعيد النزاع مع روسيا»، أما اقتراح بيدرسون الثاني القاضي بالعمل على تقريب وجهات النظر بين موسكو وواشنطن حول سورية، فهو وإن كان يحظى بصفة «الوجيه» إلا أنه يبدو مفتقداً لحوامله القادرة على نقل الحركة، فمجموعة السبع الكبار ومعها باقي الدول الأوروبية لا تبدو قادرة على القيام بدور من هذا النوع في ظل توتر روسي أوروبي خرج إلى العلن ولم يعد حبيس الغرف المغلقة، والفعل، أي عدم القدرة، يبدو قائماً حتى ولو كانت الظروف ناضجة لتلاقيات ممكنة بين موسكو وواشنطن في سورية، فكيف والأمر إذا لم تكن تلك الظروف كذلك مما تؤكده جميع المؤشرات التي صدرت عشية قمة جنيف وما تلاها أيضاً، من دون أن يعني ذلك أن مواقف واشنطن نهائية في هذا السياق، والجزم هنا ناجم عن مجموعة من «المبادرات» التي حرصت هذه الأخيرة على القيام بها في الآونة الأخيرة من نوع رفع العقوبات عن بعض الشركات السورية التي يرجح أن تكون أول الغيث بانتظار تسجيل هطلات أكبر، قياساً إلى التقدم الذي تشهده مفاوضات فيينا مع طهران والذي سوف تكون له تداعياته الإيجابية على الوضع السوري وإن كان بشكل غير مباشر تماماً.
لم تتضح تماماً الإستراتيجية التي قررت إدارة جو بايدن اعتمادها في سورية، ولربما كان قرار التعطيل مؤقتاً بانتظار تبلور معطيات جديدة هي قيد التبلور، لكن إذا ما ذهبت واشنطن إلى تباعدات أكبر مع موسكو، فإن ذلك قد يؤدي إلى انفلات العديد من الملفات من عقالها، ومن بينها ملف إدلب الذي قال عنه روبرت فورد السفير الأميركي الأخير في سورية في مقال له نشرته «الشرق الأوسط» مؤخراً إنه «مقبل على مزيد من الرعب» وإن «اتفاق إدلب (يقصد به الاتفاق الروسي التركي آذار 2020) بات في مهب الريح»، ومن بينها أيضاً ملف شرق الفرات الذي انتقل من وضعية البرود التي حافظ عليها مؤخرا إلى وضعية «نصف الساخن» التي يمكن أن يتجاوزها سريعاً ليصل إلى درجة الغليان في حال ثبوت قرار التباعد الأميركي الروسي في سورية.

Exit mobile version