Site icon صحيفة الوطن

صراعات على ضفاف النيل الأزرق

لطالما أججت مشكلات المياه في العالم نيران الحروب بين الدول التي تتشارك مجاري الأنهار، على الرغم من وجود اتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، وهي وثيقة أقرتها الأمم المتحدة في 21 أيار عام 1997، وتتعلق بالاستخدامات والحفاظ على كل المياه العابرة للحدود الدولية، بما فيها المياه السطحية والمياه الجوفية.
ما يجري بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، هي مشاكل قديمة متجددة، وهي طبيعية الحدوث، وخاصة مع ازدياد الطلب على المياه العذبة، التي تعد من الموارد الشحيحة في العالم، وبحسب دراسات تخصصية، فإن البلدان الثلاثة المتنازعة تعيش ظروفاً متشابهة من جهة التزايد السكاني، والعجز المائي، والحاجة الملحة لإقامة تنمية اقتصادية ركيزتها الزراعة، وبالتالي ضرورة التمسك بالموارد المائية، كما يقال «بالأظافر والأسنان»، وإلا فإن هذه الدول مقبلة على جفاف كبير في السنوات القليلة القادمة، وخاصة أن مصر دولة المصب، تعتمد على تدفق النيل الأبيض من أوغندا وجنوب السودان والسودان، وعلى تدفق النيل الأزرق من إثيوبيا والسودان، ويلتقي النهران الأبيض والأزرق خارج العاصمة السودانية الخرطوم، حيث أن 85 في المئة من مياه النيل المتدفقة إلى مصر تأتي من النيل الأزرق السريع الجريان في إثيوبيا وهنا المشكلة، فإثيوبيا تعتمد بخططها التنموية الشاملة على سد النهضة، ومشروع الطاقة الكهرومائية الذي سيقام على النيل الأزرق نفسه.
أزمة مصر بما ستصل إليه من مستوى جديد من العجز المائي بعد الملء الثاني لسد النهضة، سيقلص حصة مصر السنوية من 55.5 إلى 35 مليار متر مكعب من مياه النيل أي بعجز جديد يضاف على العجز الموجود حالياً بأكثر من 20 مليار متر مكعب وخاصة أن مياه النيل الأزرق التي بُني من أجلها سد النهضة الإثيوبي تشكل 70 بالمئة منها.
المفاوضات بين الأطراف الثلاثة وصلت إلى طريق مسدود وهو أمر يضع مصر أمام خيارات سيئة، وخاصة أن الخيار العسكري إذا ما اعتمدته القاهرة والخرطوم من خلال تدمير السد عبر ضربة جوية بعد فتح مطارات السودان أمام الرافال المصرية، سيؤدي إلى كوارث بيئية على إثيوبيا والسودان، وتدمير هائل وعدد كبير من القتلى، لأن الخيار العسكري كان ممكناً قبل الوصول إلى اكتمال بناء السد والبدء بتخزين المياه فيه.
إذاً مع استبعاد الخيار العسكري الإستراتيجي ماذا يمكن لمصر والسودان أن تفعلا مع إثيوبيا التي تستخدم البيئة والجغرافيا في السياسة، ولماذا تذهب أديس أبابا بهذه القضية إلى آخر الطريق في هذا التوقيت بالذات، وخاصة أن هناك من يتكلم بصوت منخفض أن إسرائيل تريد التحكم بمنابع المياه في أهم الدول العربية التي تعتبر دول مواجهةٍ لها، وخاصة منابع النيل والفرات، فتركيا الأردوغانية ذنب الكيان الصهيوني، وواشنطن وإثيوبيا تربطها علاقات خجولة في العلن، عميقة في الباطن، فالدور الإسرائيلي في دعم أديس أبابا على المستوى العسكري تصاعد بشكل باتت آثاره واضحة على الجيش الإثيوبي، سواء على مستوى التسليح أو التدريب، ولعل منظومات «سبايدر – أي آر» للدفاع الجوي القريب الإسرائيلية الصنع تفضح المستور، في استغلال واضح للتوترات القائمة بين إثيوبيا من جهة، والسودان ومصر من جهة أخرى، على خلفية عدة ملفات، على رأسها ملف سد النهضة والخلاف الحدودي مع السودان حول منطقة «الفشقة».
أمام القاهرة والخرطوم، خيار عسكري تكتيكي، تطرحه على طاولة الخيارات، النار الحامية على جانبي النيل الأزرق، التي لا تنكفئ عن قرع طبول الحرب، وخاصة أن التعنت الإثيوبي واضح في المشهد السياسي الإفريقي، فهل تتعاون مصر والسودان لإثارة النزاع الحدودي بين الخرطوم وأديس أبابا، لإخضاع إثيوبيا بالقوة العسكرية، وجرها إلى تنازلات سياسية وعملية في ملف سد النهضة؟

Exit mobile version