Site icon صحيفة الوطن

قمة روما.. الخبر وإعرابه

أقل ما يمكن القول باجتماع ما يسمى «المؤتمر الوزاري الموسع الخاص بسورية»، الذي انعقد في العاصمة الإيطالية روما على هامش اجتماع «التحالف الدولي» الذي تقوده أميركا بذريعة محاربة تنظيم داعش الإرهابي، إنه تغيير في نوع السلاح ومنصة إطلاق المواقف العدائية تجاه دمشق وداعميها، لكن بذات الرصاصة والقذيفة، فلم يختلف ما صدر عن اجتماع روما، عما سبقه من مواقف أميركية – غربية منذ بدء الأزمة في سورية، فكانت النتائج باللبوس ذاتها وبالأهداف ذاتها، وباليد ذاتها التي خطت وخططت لتفتيت سورية، وتعويم حالة جديدة تابعة بالمطلق للقرار الأميركي والصهيوني.
في الخبر، خرج البيان الختامي للقمة بالكثير من الدعوات، تعكس في «ظاهرها» حرص وغيرية على سورية والشعب السوري، مثل الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار وإيصال المساعدات دون عوائق والاستمرار في العمل في اللجنة الدستورية السورية للتوصل إلى تسوية سياسية وفق قرار مجلس الأمن 2254، والتأكيد على وحدة سورية وسلامة أراضيها.
غير أنه وفي إعراب الخبر ثمة الكثير من المغالطات والنفاق في التفاصيل والمعنى، فوقف دائم لإطلاق النار، يعني وفق العقل الأميركي، عدم قيام الجيش العربي السوري بأي عمل لطرد الإرهابيين من إدلب، أو لإنهاء الاحتلال الأميركي الموجود في منطقة الجزيرة، والاحتلال التركي في شمال شرق وغرب سورية، بما يمكن التنظيمات الإرهابية، والانفصالية من التجذر في أماكنها، وصولاً إلى خلق خارطة جديدة يفرضها الأمر الواقع، وفق دعوات أميركا.
وإذا كانت الإدارة الأميركية ومن يسير في ركبها، حريصين كل ذاك الحرص الذي أبدوه على وحدة سورية وسلامة أراضيها، كيف يفسرون قيام كيان إرهابي في إدلب بدعم من النظام التركي الذي يعمل على تتريك المناطق التي يحتلها وتنظيماته الإرهابية، وكيف يفسرون ممارسات ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» الانفصالية المدعومة من الاحتلال الأميركي في المناطق التي يسيطرون عليها في منطقة الجزيرة، والتي تؤكد في مجملها سعي الميليشيات قدماً في تحقيق أوهامهم بإقامة كيان كردي انفصالي، تابع في مجمله للهيمنة الأميركية والصهيونية، مع ذلك كله عن أي حرص يتحدثون بما يخص وحدة سورية وسلامة أراضيها؟
النفاق ظهر في أوجه خلال اجتماع روما، من خلال حديث المجتمعين عن تنفيذ القرار 2254، وفي أول بنوده سلامة ووحدة سورية، وأن الشعب السوري هو من يقرر مصيره، فيما جميع أفعال الاحتلال الأميركي والتركي» تذبح» ذاك القرار آلاف المرات يوميا من الوريد إلى الوريد، ينافقون بحديثهم عن تقديم المساعدات لجميع محتاجيها، وعن أي محتاجين يتحدثون هنا، ألم تعمل الإدارة الأميركية وحلفاؤها الغربيون بخنق الشعب السوري، عبر ما يسمى «قانون قيصر» ومنع جميع أسباب الحياة من الدخول إلى سورية، من أدوية ومواد غذائية، ووقود ووو.
في إعراب الخبر، يظهر أن الأميركي والغربي عندما يتحدث عن الشعب السوري، فانه يقصد أولئك الإرهابيين المحتلين لمناطق إدلب، والمتخذين من المدنيين هناك أسرى لديهم، وإدخال المساعدات لهم، وحين يتحدث عن وحدة وسلامة الأرض السورية، يتناسى وجوده غير الشرعي على الأرض السورية، ودعمه كل من يحاول تمزيق وحدة سورية.
رغم الشعارات العريضة التي تخص مصلحة الشعب السوري، والتي يحاول الأميركي تمرير مخططاته عبرها، فإن اجتماع روما لم يخرج عن تلك المعادلة والحملة المحمومة لأميركا لإدخال «مساعدات إنسانية» عبر المعابر إلى المناطق التي يسيطر عليها الإرهاب، دون موافقة الحكومة السورية، وبعيداً عن الالتزام بمبادئ المساعدات الإنسانية المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة فيما يتعلق بسورية واحترام سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، ومحاولتها فرض قوانين وأنظمة خاصة بها، بعيدة كل البعد عن الشرعية الدولية، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وفي مقال نشر في صحيفتي «كوميرسانت» و«روسيا في الشؤون العالمية»، بأن المحاولات الحثيثة لدول الغرب لاستبدال أدوات ووسائل القانون الدولي السارية حالياً بقوانينها الخاصة القائمة على العقوبات والتدخلات، تظهر تعطشها الكبير لفرض القانون الذي يناسبها على المسرح الدولي.
المضحك في الاجتماع، ذاك العنوان الذي اجتمعت تحته 19 دولة، وهو الاجتماع الوزاري لتحالف هزيمة تنظيم داعش، حيث يبحثون في كيفة هزيمة التنظيم، وجميع مسلحيه في قواعد الاحتلال الأميركي في سورية، وسجون صبيتها «قسد»، وللتنويه فانه عندما أعلن وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن وجود عشرة آلاف إرهابي من داعش لدى ميليشيات «قسد»، فإن ذلك يعد رسالة تهديد، بإطلاق قطعان داعش متى شاء الأميركي، وهو الذي يستثمرهم، ويعيد انتشارهم في البادية السورية والأراضي العراقية بعد أن يعيد تدريبهم في قاعدة التنف، ويقدم لهم كل الدعم اللوجستي.

Exit mobile version