Site icon صحيفة الوطن

وقفة مع التاريخ

اسكندر لوقا :

ثمة العديد من الأمثلة التي يمكن العودة إليها لإعادة القول، مرة ومرات لا تحصى، عن متانة العلاقات بين الجمهورية العربية السورية وبين جمهورية روسيا الاتحادية وإن يكن بغض النظر عن التسمية التي اختارتها بحسب ظروفها التي مرّت بها في أواخر ثمانينيات القرن الفائت.
إن موقف الشعب الروسي لم يتراجع يوماً خطوة إلى الوراء، وخصوصاً حين كانت ظروف المنطقة، من حيث وقوف الدول الغربية إلى جانب الاستعمار ضد العرب. هذا الموقف لم يتراجع ولو بمسافة لا ترى بالعين المجردة إلى الوراء. فقد كان هذا الشعب العظيم دائماً يقف سدا منيعا أمام طغيان بعض الدول الغربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تمسك بخيوط التآمر على العرب طمعاً بما هم يملكون من نفط وغاز وثروات أخرى دفينة تحت أراضيهم الواسعة.
في العام 1957، كادت دول الغرب ترتكب خطأها المميت بالعدوان على سورية بحجة كونها الدولة الرائدة في مقاومة الاستعمار ودحر ربيبتها إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا كان تصريح رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي آنذاك نيكيتا خروشوف، متهما الدول الغربية بقوله محذراً إياها: إن دول الغرب تعتبر وقوع سورية في قبضتها منطلقا نحو تحقيق أهداف إستراتيجيتها، لم تعرف الركوع يوماً ولن تكون وحيدة أبدا حين يدق ناقوس الخطر عليها في المنطقة.
نظرة كهذه إلى مجريات الأحداث في المنطقة، كان لا بد من أن تؤخذ بعين الاعتبار منذ ذلك التاريخ، بيد أن العين الأميركية، في خمسينيات القرن الماضي، كما هي اليوم، كانت وما زالت تشكو من احتقان في لحمتها، ومن هنا لم تحسن إقامة التوازن بين القوة والحق، بين الذي يرغب في أن يستكين ليصبح تابعا لها، وبين من لا يرضى إلا بأن يكون سيد نفسه. وسورية التي وصفها خروشوف بأنها لم تعرف الركوع، كذلك هي اليوم في تقدير القيادة الحالية لجمهورية روسيا الاتحادية وفي مقدمهم فخامة الرئيس فلاديمير بوتين الذي حذر ويحذر الغرب من اللعب بالنار لأنها ستحرقه إن هو بالغ في لعبه هذا.
إن العلاقات بين شعبي البلدين، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم تلحق بها أي شائبة، ولم تكن يوماً تنطلق من نقطة الانتفاع بما لدى هذا البلد أو ذاك على حساب الآخر. وفي المشهد التاريخي لتلك العلاقات ما يؤكد صلابة ومبدئية التعاون بين سورية وروسيا الاتحادية، وهو ما يغيظ دولا غربية وقفت سورية وحلفاؤها في وجه تمرير أهداف إستراتيجياتها المعلنة وبينها القبض على سورية التي لم ولا تعرف الركوع لمن يدق ناقوس الخطر صباح مساء محاولاً جرها إلى نفق الخضوع له ولكن عبثاً. عبثاً ستبقى الأودية تردد أصداء الناقوس ولا من مستجيب. وسيبقى غرور من يعتقدون أنهم وحدهم وليس سواهم الكبار في هذا العالم.
يقول الفيلسوف وعالم النفس الأميركي جون دوييه (1859-1952): «إن أكبر نعمة وهبها الله لصغار النفوس هي الغرور». وهذا ما يمكن أن يطلق على «الكبار الصغار» في عالم اليوم، ولا حاجة لنا إلى ذكر المناصب والأسماء.

Exit mobile version