Site icon صحيفة الوطن

سيناريوهات مابعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان

في 16 حزيران الماضي نشر معهد بروكينغز الأميركي للدراسات والأبحاث دراسة من ثلاث حلقات حول « التطورات المحتملة في أفغانستان خلال السنوات الثلاث أو الخمس المقبلة بعد الانسحاب الأميركي الجاري في هذه الأوقات».
واستخلص المعهد أربعة سيناريوهات بعد تحليله للوضع الراهن ومضاعفات الانسحاب الأميركي من دون شروط تضمن استمرار بقاء الحكومة الأفغانية التابعة له في كابول:
السيناريو الأول هو بقاء الوضع الراهن على حاله من دون نتيجة حاسمة للصراع الذي سيدور بين طالبان وجيش كابول.
الثاني هو: التوصل إلى صفقة شراكة في الحكم بين طالبان والحكم القائم من دون تصعيد في إراقة الدماء.
والثالث هو: قيام طالبان بتحقيق مكاسب في الميدان والسيطرة تعقبها مكاسب في صفقة سياسية لمصلحة طالبان.
والرابع هو: نشوب حرب أهلية مجزأة وطويلة نسبياً.
ويرجح المعهد احتمال بقاء الأمر الواقع السياسي والنزاع على الحكم على حاله من دون حسم نهائي لهذا الطرف أو ذاك.
ومع ذلك يشير واقع الحال إلى عدد من الحقائق، أولاً: أن طالبان بدأت تسيطر على مناطق واسعة أثناء الانسحاب الأميركي وأن واشنطن سلمت بهزيمتها وبعجزها عن التخلص من قوات طالبان وأن تفضيلها لبقاء حكومة كابول لن يكون مضموناً، وثانياً: أن انسحابها برغم الفراغ الذي سيتولد عنه، فإنه سيتيح وجود فرصة أو فرصاً قابلة لتحقيق مكاسب أميركية من الوضع الأفغاني تفوق أي مكسب لم تستطع القوات الأميركية والأطلسية تحقيقه طوال عشرين عاماً من وجودها العسكري في أفغانستان وأهم هذه المكاسب بنظر الولايات المتحدة وفي هذه الظروف السياسية الإقليمية والدولية بالذات هي إمكانية استخدام الحكم الجديد سواء أكان مشتركاً بين طالبان وكابول أو كان تحت سيطرة طالبان لوحدها في جدول عمل يخدم المصلحة الأميركية في الجوار الإقليمي أو على المستوى الدولي.
فأفغانستان لها حدود واسعة مع إيران ومع باكستان ولها حدود ضيقة قريبة مع الصين إضافة إلى أن الهند تتنافس اقتصادياً مع كل هذه الدول على سوق البلاد الاقتصادي.
وقد ترى واشنطن في هذا الوضع الأفغاني الجديد وغير المحسوم بعد انسحابها أن هذه الدول المحيطة وكذلك روسيا لن يكون بمقدور أي منها التمتع بالنفوذ الحاسم أو الأكثر تأثيراً على مستقبل البلاد وأن أفغانستان قابلة أن تكون طرفاً إسلامياً يولد المتاعب لإيران من جهة ولباكستان التي سمحت بوجود نفوذ نسبي صيني وروسي فيها من جهة أخرى وهذا العامل جعل الهند تهتم بأفغانستان وتعد نفسها لملء جزء من الفراغ فيه لاستغلاله ضد باكستان والصين بموجب الاتصالات التي قامت بها الهند مع طالبان في الدوحة.
وفي ظل هذا التنافس على المصالح بين عدد من الدول المجاورة أو على درء خطر طالبان وحكمها الإسلامي الأصولي تحاول الولايات المتحدة استخدام قواعد لعبتها الخاصة تجاه أفغانستان من دون أن تقطع صلاتها بطالبان التي تعدها واشنطن قابلة لتنفيذ وظيفة تخدم مصالحها فالولايات المتحدة ستظل سراً أو علانية تضع خطط التقارب مع الاتجاهات الإسلاموية الأصولية في منطقة الشرق الأوسط لتوظيفها ضد الصين بحجة الدفاع عن المسلمين الصينيين الآيغور وهي لا تزال تراهن على دور أردوغان في إستراتيجيتها ضد الصين وروسيا لكن أهم ما تتطلع إليه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هو توليد النزاعات بعد انسحابها بين طالبان وباكستان من جهة وبين طالبان وإيران من الجهة الأخرى وتشير بعض التحليلات الأميركية السياسية التي تعود لعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما ونائب الرئيس جو بايدن في ذلك الوقت إلى محاولة أوباما توظيف طالبان ضد روسيا والصين حين أرسل مبعوثاً أميركياً التقى بقادة طالبان الأفغان في تموز 2015 بوساطة باكستان التي كانت حكومتها في التسعينيات ثالث دولة تعترف بشرعية حكومة طالبان الأصولية ويبدو أنه أخفق في تحقيق هذه النتيجة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هزيمة القوات الأميركية في أفغانستان هو: ألا يرى الجميع أن الولايات المتحدة تتخلى عن حماية كل من تعاون معها في هذه الحكومة الأفغانية لأنها تسحب قواتها من دون أي شروط تضمن ألا تتعرض مجموعات طالبان لجيش كابول ومن تعاون معه؟
فالولايات المتحدة أعلنت أنها لن تنقل معها جميع المترجمين والعملاء الذين تعاونوا معها طوال عشرين سنة لتوزيعهم على عدد من الدول وهي تعلم أن طالبان ستحاكمهم ويبدو أن واشنطن ستظل تراهن على دور تتعاون فيه طالبان معها على غرار توظيفها لمجموعات داعش والنصرة في سورية فعلاقات منظمة القاعدة مع طالبان قبل احتلال أفغانستان وبعده بقيت وستظل على جدول العمل الأميركي لمحاولة استغلالها من جديد.

Exit mobile version