Site icon صحيفة الوطن

«أستانا».. بين «المعابر» ورسالة السوريين

تنطلق الجولة السادسة عشرة من محادثات مسار «أستانا» بشأن سورية، اليوم، في العاصمة الكازاخية نور سلطان، على وقع تداعيات عدة كبيرة، من «معركة المعابر» إلى ممارسات الاحتلال التركي وسرقة النفط والقمح السوريين، إلى إعلان رئيس النظام التركي رجب أردوغان أن قوات بلاده المحتلة موجودة في سورية وليبيا والصومال وأذربيجان وستبقى هناك ولن تغادرها، وما سبقه من حراك سياسي أميركي-غربي محموم، وتصعيد إرهابي ميداني في إدلب، كل ذلك يستحضر سؤالاً ملحاً حول جدية الدول الغربية في التوصل إلى حل حقيقي للأزمة في سورية، أم إنهم يتخذون «أستانا» من خلال وكيلهم وفد الميليشيات المسلحة المدعومة من نظام أردوغان، منصة لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه في منصاتهم السياسية، وخنادقهم الإرهابية.
بعيداً عن التحليل، وفي الحديث بالحقائق والمعطيات فإن تلك الدول تدفع جاهدة للضغط على الحكومة السورية، والجانب الروسي، لتمرير قرار فتح ما يسمى «المعابر الإنسانية» لإدخال مساعدات إلى الإرهابيين والانفصاليين في إدلب وشرق سورية، حيث يقضي مشروع قرار غربي جديد، وزعته على أعضاء مجلس الأمن، يوم الجمعة الماضي، النرويج وأيرلندا، بتمديد عمل ممر «باب الهوى» على الحدود التركية السورية، الذي تسيطر عليه التنظيمات الإرهابية، وإعادة فتح ممر اليعربية بين العراق وسورية الذي تسيطر عليه ميليشيات «قسد» الانفصالية، بل إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بالنسبة لأميركا حين أعربت مندوبة الولايات المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، عن عدم ارتياح واشنطن للاقتراح الجديد، بل وأصرّت على ضرورة إعادة فتح معبر ثالث أيضاً، وهو معبر «باب السلام» على الحدود التركية.
محاولات الضغط بدت جلية، حينما تأبط وفد الميليشيات المسلحة، ملف «المعابر الإنسانية» كبند أساس وشبه وحيد إلى محادثات اليوم، حينما استبق ما يسمى المتحدث باسم وفد الميليشيات في أستانا المدعو أيمن العاسمي، وانبرى للترويج لأجندة سيده الأميركي والتركي، قائلاً: إن مسألة استمرار «المعابر الإنسانية» في تقديم المساعدات ستكون حاضرة على رأس أجندة الاجتماعات.
مع اتضاح الصورة في الميدان السوري، والتي تشكلت معالمها مع دحر الجيش العربي السوري الإرهاب والتنظيمات الإرهابية من معظم الجغرافيا السورية، وحصر الأزمة في إدلب حيث سيطرة التنظيمات الإرهابية إلى جانب الاحتلال التركي، وفي مناطق شرق سورية، حيث سيطرة الميليشيات الانفصالية بدعم من الاحتلال الأميركي، فإن ثمة حالة عامة، صبغت السياسة الأميركية والغربية المعادية لسورية، وهي سياسة المراوغة، والدوران لتحقيق إنجاز أو خرق ما في الساحة السورية، وذلك عبر شعارات مخادعة لإيجاد حل سياسي، ووقف لإطلاق النار، وتقديم مساعدات إنسانية لـ «السوريين».
في ظاهر تلك الشعارات الأميركية- الغربية، مطالب محقة، وغايات نبيلة وسامية، لكن الأمر ليس كما تروج له واشنطن والعواصم الأوروبية، فهم يحصرون المشهد والأزمة السورية في منطقة إدلب، وشرق سورية، حيث مرتزقتها من الإرهابيين والانفصاليين، متجاهلة الأغلبية العظمى من الشعب السوري، الذي يعاني الأمرين من فرضهم عقوبات اقتصادية جائرة وظالمة بحقه، وإذا ما ذهبنا معهم في «أحقية مطالبهم، وهي ليست كذلك» فهم يبحثون في النتائج ويتجاهلون الأسباب، يتباكون على سوريين في مناطق سيطرة «جبهة النصرة» الإرهابية في إدلب، كما فعلت وزيرة شؤون الجوار الأوروبي في الحكومة البريطانية، وندي مورتن، بتباكيها نهاية الشهر المنصرم على تخوم معبر «باب الهوى» وتأكيدها أن «موقف المملكة المتحدة واضح، معبر باب الهوى الحدودي يجب أن يظل مفتوحاً، كما يجب إعادة فتح معابر أخرى لإتاحة إدخال معونات منقذة للأرواح، من غذاء ومأوى وإمدادات طبية، ولضمان استمرار عمليات الإغاثة الحيوية».
تتباكى مورتن ونظراؤها في واشنطن وباريس ولندن وغيرها على ما يدعون أنه «الشعب السوري» وهم يعلمون علم اليقين أن نسبة كبيرة من سكان تلك المناطق في إدلب من الإرهابيين وأسرهم، إضافة إلى المدنيين الأسرى لدى «النصرة»، الأمر الذي أكده وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف للأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا هيلجا شميد في الحادي والعشرين من الشهر الماضي أن محافظة إدلب التي يسيطر على جزء كبير منها تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي هي المنطقة الوحيدة في سورية، التي يتم إيصال المساعدات الإنسانية إليها من الخارج من دون مشاركة الحكومة السورية الشرعية، موضحاً أن الأمم المتحدة والدول الغربية تواصل تجاهل تصريحات الحكومة السورية بشأن استعدادها للمساعدة في إيصال المساعدات الإغاثية عبر دمشق.
إذا كانت الدول المعادية لسورية، ومن يدور بفلكها من مرتزقة وتبّع، يحارون في كيفية تمرير خططهم ومشاريعهم، ويتفننون في تزييف الحقائق، وإلباس الباطل ثوب الحق، فإن موقف الحكومة السورية كان واضحاً وجلياً، قالته من دون خجل أو وجل وعلى رؤوس الأشهاد: إن من يتحدث عن معاناة السوريين يجب أن يعلم أولاً أن سبب المعاناة هذه هو الإرهاب بالدرجة الأولى والحرب العدوانية الإرهابية التي شنّت على سورية والعقوبات اللاشرعية التي تفرضها بعض الدول، وإن أجندة وفد الحكومة الشرعية ستتركز على الرسالة التي وجهها السوريون خلال الانتخابات الرئاسية، برفض أي تدخل بالشأن السوري وتمسكهم باستقلاليتهم وسيادة بلادهم وإن مستقبل سورية هو حق حصري للسوريين، وكذلك على إنهاء الاحتلال، والممارسات الإجرامية التي يقوم بها النظام التركي في سورية.

Exit mobile version