Site icon صحيفة الوطن

أدوار الأم لم تكن سوى خيار أرادته في سن مبكرة … نبيلة النابلسي.. الممثلة المعطاءة والطيبة التي كانت تختار أدواراً مؤثرةً

كانت لأغلب الفنانين بمنزلة أم حقيقية، وكانت تهتم بهم وتعاملهم كأبنائها، وكانت تجمعها علاقات إنسانية واجتماعية مع العديد من زملائها وزميلاتها، وهي فنانة شفافة ومتسامحة ومعطاءة وطيبة القلب وتعشق الحياة.
لم يكن رحيلها حدثاً عابراً في الوسط الفني السوري، لأن الراحلة نفسها لم تكن عابرة في منجزها الدرامي، سواء بما أنجزته من أدوار في السينما والمسرح والتلفزيون، أم بما بنته من علاقات اجتماعية وإنسانية مع أبناء الوسط، لدرجة أن الكثيرين من أبناء الوسط يتفقون على أنها كانت أمّاً لهم بعيداً عن الكاميرا، وبالمقدار ذاته الذي كانت فيه أمّاً لهم أمام الكاميرا.

إنها الممثلة القديرة نبيلة النابلسي التي كانت وفاتها خسارة كبيرة للفن في العالم العربي عامة وللفن السوري خاصة بسبب دورها الكبير في تطور الدراما السورية، وبصمتها الفنية التي تركتها في كل بيت عربي بسبب أعمالها الراقية والمتميزة.

ومن المعروف أنها كانت تختار أدوارها بعناية شديدة، كما كانت في الناحية الإنسانية إنسانة طيبة ونقية، تجود بالخير وتتواصل بشكل مستمر مع الجميع.

ورغم أنها لم تتعلم وتدرس التمثيل إلا أنها تمكنت من نيل إعجاب الجميع منذ ظهورها الأول على الشاشة، وقد اعتبرها البعض أيقونة الدراما لأنها فنانة ذات شخصية نادرة.

ولدت الممثلة الراحلة في دمشق في الأول من شهر كانون الثاني عام 1949 وتوفيت في 29 حزيران عام 2010 عن عمر 61 عاماً بعد صراع مع المرض العضال.

مسيرة غنية

عملت منذ الثالثة عشرة من عمرها على آلة كاتبة، ثم ممرضة، وظلت تزاول هذه المهنة لمدة سنتين، إلى أن بدأت بتمثيل بعض الإعلانات التجارية التي ساعدتها مادياً، لكنها لم تكن تدري أن تلك الإعلانات التي كانت تعرض في صالات السينما قبل بدء الأفلام ستكون الباب الذي سيفتح مصراعيه على نجومية عريضة ستستمر نحو أربعة عقود من الزمن.

بداياتها كانت على يد مكتشفها نبيل المالح الذي راعه كاريزما السحر والأنوثة في وجه الشابة نبيلة حينذاك، فعرض عليها التمثيل في فيلمه «المخاض» من ثلاثية «رجال تحت الشمس» عن رواية للشهيد غسان كنفاني عام 1970 وجسدت فيه دور فلاحة فقيرة، وبعدها بدأت مسيرة الأعمال السينمائية لتعمل مع مخرجين من سورية ومصر ولبنان.

عجلة الإنتاج السينمائي سرعان ما توقفت في القطاع الخاص، على حين عملت بالحد الأدنى في القطاع العام، الأمر الذي دفع الفنانة النابلسي، التي لم تكن تحب العمل في التلفزيون أبداً للقول إنه حان وقت الزواج والأمومة، فتوقفت عن العمل منذ منتصف السبعينيات حتى قررت العودة إلى العمل ولكن هذه المرة من بوابة التلفزيون.

فعملت بداية مع المخرج غسان جبري في مسلسل «دموع الملائكة» وكانت تعتقد وقتها أن عملها التلفزيوني لن يكون سوى محطة مؤقتة تشغل نفسها فيه ريثما تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران، ولم تكن تعلم حينها أن نجوميتها الحقيقية ستكون من خلال دراما هذا الجهاز الذي تمقته، إذ سرعان ما أضحت واحدة من الأسماء المهمة في الوسط الدرامي السوري، ومن الأكثر الفنانات اللواتي اضطلعن بتقديم أدوار الأمهات بصدق وعفوية.

قدمت خلال مشوارها الفني ما يقرب من 80 عملاً بين السينما والدراما، ومن أهم مسلسلاتها نذكر «لك يا شام» 1989 و«أبو كامل» عام 1991 و«العروس» و«البديل» و«الشريد» عام 1992 و«حمام القيشاني» عام 1994 و«قلعة الفخار» عام 1995 و«اللحظة الأخيرة» و«أحلام أبو الهنا» عام 1996 و«الفراري» عام 1997 و«الطويبي» عام 1998 و«الفصول الأربعة» عام 1999 و«مبروك» و«أحلام لا تموت» عام 2001 و«الأرواح المهاجرة» عام 2002 و«قانون ولكن» و«عرسان آخر زمن» و«حروف يكتبها المطر» عام 2003 و«ليالي الصالحية» و«أهل المدينة» و«الخيط الأبيض» عام 2004 و«أمهات» و«الحور العين» عام 2005 و«ندى الأيام» و«أحقاد خفية» عام 2006 و«سيرة الحب» و«رسائل الحب والحرب» و«الهاربة» عام 2007 و«يوم ممطر آخر» و«ليس سراباً» و«شركاء يتقاسمون الخراب» و«أولاد القيمرية» 2008.

ومن أبرز أفلامها نذكر «رجال تحت الشمس» عام 1970 و«امرأة تسكن وحدها» عام 1971 و«رحلة حب» عام 1972 و«دمي ودموعي وابتسامتي» عام 1973 و«نساء للشتاء» عام 1974 و«غوار جيمس بوند» 1986 و«اليتيم» 1988 و«ناجي العلي» عام 1992 و«بستان الموت» عام 2001 و«مشروع أم» عام 2002.

أما في المسرح فقدمت الراحلة عدة أعمال مسرحية منها «لحظة من فضلك» و«مطلوب مسؤول» و«ناس التي تحت» و«شباب آخر زمن» و«خيوط العنكبوت» وكان آخر أعمالها مسرحية «بكرا أحلى» التي قدمتها لذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى العديد من الأعمال الإذاعية.

أدوار الأم

أدوار الأم في تجربة نبيلة النابلسي الفنية لم تكن سوى خيار أرادته في سن مبكرة، لدرجة تروي فيها أنها كانت تضطر في أدوار الأم الأولى التي قدمتها للجوء إلى الماكياج لتبدو مقنعة أكثر، ومع تقدم العمر كانت أدوار الأم تبدو الأكثر التصاقاً بها.

وقد نجحت بالخروج من دائرة التنميط الذي جاء تارة من خيارات المخرجين وتارة من النصوص ذاتها، فكانت في كل مرة تضفي من روحها ما هو مختلف على النص المكتوب، لتخرج علينا بشخصية أم جديدة لا تشبه ما قدمته من قبل من أمهات.

Exit mobile version