Site icon صحيفة الوطن

معـامل «جيني» يكشف خلل توزيع الثروة في العالم

لم يطلق الإسباني «خوسيه سامبيدرو» مقولته محض مصادفة؛ حين قال: «هناك نوعان من الاقتصاديين أولئك الذين يريدون جعل الأغنياء أكثر ثراء، وأولئك الذين يريدون جعل الفقراء أكثر فقرا». والواقع يُشير إلى ما هو أشد قسوة، ففي ظل تنامي الكيانات الاقتصادية الكبرى أصبح وضع الفرد في خطر محدق، خاصة مع ندرة الفرص المتاحة، فالوضع الاقتصادي العالمي بحالة بالغة الصعوبة، خاصة مع صعود ما يسمى النظام العالمي الجديد الذي لا يهمه سوى مصلحة الأثرياء على حساب مصلحة الطبقات الأدنى. هل تعـلم أن 8 مليارديرات فقط يمتلكون ثروة تعادل ما يملكه النصف الأفقر من سكان العالم، أي نحو 3.6 مليارات إنسان؛ وأبشع ما يمكن تخيله أن مجموعة من الأشخاص يمكن جمعهم في سيارة غولف صغيرة يملكون أكثر من نصف سكان العالم الأكثر فقراً! درس الإيطالي كورادو جيني علوم الرياضيات والاقتصاد. وتركزت أبحاثه حول محوري العلوم الاجتماعية والإحصاء، وفي عام 1910 تبوأ كرسي علم الإحصاء بجامعة سردينيا، ثم تبوأ الكرسي ذاته في جامعة بادوا عام 1913. ثم أنشأ دورية متخصصة في علم الإحصاء عام 1920، ولم يكن يقبل إلا المقالات ذات التطبيقات العملية. ويعـدّ معامل جيني من المقاييس الهامة والأكثر شيوعا في قياس عدالة توزيع الدخل القومي، تعتمد فكرته على منحنى لورنز، ويمتاز بأنه يعطي قياسا رقميا لعدالة التوزيع، حيث ينحصر بين الصفر والواحد، فيكون صفرا عندما يكون توزيع الدخل متساويا لجميع أفراد المجتمع (التوزيع الأمثل للدخل)، في حين يكون معامل جيني مساويا للواحد الصحيح وفي هذه الحالة يكون توزيع الدخل في أسوأ أحواله، أي أنه كلما كانت قيمة معامل جيني صغيرة كانت عدالة توزيع الدخل أفضل. يعبـّر الفيلم الإسباني «الحفرة» (El Hoyo) لعام 2019، عـن تباين دخل طبقات المجتمع؛ حيث تدور أحداثه في سجن من مئات الطوابق، فلا يُعرف عددها على وجه التحديد، وتقع في كل طابق زنزانة، وفي كل زنزانة سجينان بينهما حفرة عميقة موصلة لباقي الزنازين بالأسفل، وفي وقت محدد تنزل من أعلى مائدة طعام، ولا تبقى سوى دقائق معدودة، وعليه ليس أمام هؤلاء إلا التهام كل ما يُمكن تناوله من الطعام، ثم تُكمل المائدة مسيرتها نحو الأسفل لإيصال المتبقي من هذه الأطعمة إلى الطوابق الأدنى. يبدأ الفيلم بمشهد نرى فيه سجيناً يستيقظ فجأة، ليجد نفسه في الطابق الثامن والأربعين؛ وقد جاء بناء المكان من هذه النقطة يحمل صبغة رمزية، فسكان الطوابق الأعلى يحظون بالمزايا والحياة وفق منظور أفضل وأكثر راحة، في حين يقبع من بالأسفل في ظروف ووضع بائس. الدلالة المكانية هنا تُشير للمجتمع بصفة عامة بتوصيفاته الطبقية التي لا تخرج عن اثنين لا ثالث لهما هما الغني والفقير، يقف البطل وصديقه أمام الحفرة يتبادلان الحديث، وفجأة تنزل عليهما ببطء مائدة ملأى بصنوف مختلفة من الأطعمة، فتحط رحالها بينهما، لينقض أحدهما على الأكل بشراهة بالغة، في حين ينظر إليه الآخر باشمئزاز، فالمائدة هي فضلات طعام الأدوار العليا. لا تستمر المائدة طويلا، فالطوابق الأدنى تنتظر هي الأخرى نصيبها من الطعام، وهكذا يستمر الحال حتى الطابق الأخير الذي لا يُعرف على وجه الدقة رقمه أو حاله، وكأن مسلسل الهبوط نحو الأسفل لا ينتهي، وبالتالي تتضح هنا دلالة هذه المائدة، فأحداث الفيلم تدور حولها، وكأنها هي الأخرى بطل من أبطال الفيلم إن لم تكن هي الأهم، وكأن المائدة هنا تُشير للثروة التي يتكالب عليها الجميع ويسعى إليها، لكن هل يستوي فيها الجميع؟ من المفترض أن كمية الطعام تكفي الكل، لكن الصراع على الطعام ومحاولة تناول أكبر قدر ممكن منه يجعل كميته تتناقص في إشارة لانتفاء عدالة توزيع الثروة على أفراد المجتمع. تساؤلنا واضح هنا: إلى متى ستستمر فالطبقات الأعلى تلتهم الطبقات الأدنى!؟

Exit mobile version