Site icon صحيفة الوطن

عبد الله يوركي حلاق والفكر الخلاق … 65 سنة من الصحافة الأدبية الراقية في تاريخ سورية

في مثل هذه الأيام، من شهر تشرين الأول، وقبل ربع قرن رحل الأستاذ الصحفي والشاعر والأديب عبد الله يوركي حلاق، الرجل الذي اجتمع الأدباء على نبله وصدقه، كرّم العربية وضادها، وكرمته العربية، أحب سورية فكانت وفية له.. «الوطن» تسترجع ذكرى هذا الأديب والصحفي النبيل في ذكراه، وهو الذي أمضى حياته لتكريم الناس والأدباء.

عبد الله يوركي حلاق والضاد اسمان علمان يترددان على سمع كل صحفي وأديب، ولا يمكن التفريق بينهما، فعبد الله يوركي حلاق هو الأديب والصحفي، ومالك ترخيص «الضاد» وممولها ومصدرها والكاتب فيها، والذي أنار الحياة الصحفية والأدبية من مدينة حلب الشهباء ليقدم نموذجاً فريداً أجمع الناس على حبه واحترام أدبه وصحافته.. ولأن الإجماع كان على تقديره لم تشأ الأقدار أن تطويه صفحات النسيان، فقد حفر اسمه بحرف وعرق وجهد وبقيت «الضاد» منارة للشادين، ومنبراً للأدباء.

هذا ماحمله الكتاب التكريمي الذي طبعته «الضاد» في ذكرى الأديب والشاعر والذي تفضل صديقي المفتي العام أحمد بدر الدين حسون بتوزيع نسخ منه في دمشق وهي نسخ قليلة نادرة.

الضاد ورحلة الأدب

عرفت «الضاد» أول ما عرفت عن طريق القراءة في أرفف المكتبات، ولم أكن أقدّرها حق قدرها، إلى أن عرفتها بدقة عن طريق أستاذي الراحل الدكتور نعيم اليافي، وهو من هو في الاطلاع ومتابعة الدوريات، وقد أطلعني رحمه الله على أعداد منها في منزله بمحطة بغداد في حلب، وحدثني عن صاحبها ورسالته وتفانيه في متابعتها، كما أطلعني على دوريات أخرى، ومن ثم حدثني عنها الأستاذ محمود فاخوري والأستاذ محمد كمال في زيارتي لهما إلى حلب عندما قصدتها عام 1993 لتسجيل حلقات عن المخطوطات العربية، أردت من خلالها أن أغطي جهود علماء حلب، فكان لي الشرف أن التقيت د. عبد الكريم الأشقر أستاذي من قبل، ومحمود فاخوري ومحمد كمال وهما في الفضل من العلم والدكتور المجمعي أحمد قدور، وفي هذه اللقاءات عدت إلى مجلة الضاد وصاحبها عبد الله يوركي حلاق، وأعجبت بما تحمل هذه المجلة على عاتقها، وعجبت من أنها لا تسير كما غيرها شهرة إلا بين صفوة المتأدبين، ورددت ذلك إلى أنها لا تصدر في المركز دمشق، ولا تحظى بالتوزيع اللائق واللازم، مع أنها تحمل أسماء كبيرة، ومن مختلف المحافظات والبلدان العربية، وكان جديراً بها أن تجد ذلك الذيوع، خاصة وأنها تصدر عن مدينة عظيمة ضاجة بالثقافة والحياة الأدبية، وقدمت لنا وللنهضة العربية عموماً منارات لا تذهب من الذاكرة في الثقافة والتعليم يتقدمهم جميعاً عبد الرحمن الكواكبي رائد النهضة الكبير… وربما كان لاعتمادها على جهود صاحبها الفرد عبد الله يوركي الأثر في أنها لم تأخذ مكانتها التي تستحق وهي تحمل اسم اللغة العربية (الضاد).

في معابر الذكرى والوفاء

منذ أيام وقعت يدي على كتاب (عبد الله يوركي حلاق – في معابر الذكرى والوفاء) هذا الكتاب التكريمي للضاد وصاحبها، والذي أعدّه ابنه الأستاذ رياض عبد الله حلاق، وبمشاركة كوكبة من محبي هذه المجلة، ويستخدم الأستاذ رياض تعبير (مناصرو الضاد) ما يدل على روح التعاون التي كانت بين الضاد وقرّائها، والتي ما تزال مستمرة، وتثلج الصدر إشارة الأستاذ رياض إلى نخبة من الذين أسهموا في دعم هذا الكتاب التكريمي مادياً وعلمياً ومعنوياً، واللطيف الذي يحق لنا أن نفخر به هو أن المشاركين في الدعم وإحياء ذكرى عبد الله حلاق ليسوا من لون واحد، وإنما تنادى أحبابه ومن مختلف الشرائع والبلدان، وفي هذه البادرة شهادة للضاد وصاحبها ومسيرته وهو الذي يقول عن عقيدته الثقافية «أنا صريح ووحدوي، ومع الأصالة العربية.. تعرضت مراراً للمحاكمة والتوقيف العسفي لتعلقي بعروبتي ومناهضتي الانتداب الفرنسي، ولكن الانتداب زال والكرامة الوطنية باقية».

هذا الكتاب تذكاري لعروبي مستقيم في تربيته وحياته، ويعرف منابع العلم اللازمة، وها هو ابنه رياض يقول مستذكراً والده ونصائحه «يا بني يا رياض إذا أردت للغتك أن تستقيم فعليك الآن أن تقرأ القرآن الكريم. ورحت أعمل بنصيحته حتى تمكنت من قراءة آياته البينات وفهمها فهماً كبيراً».

وفي هذا الكلام ما يدل على عمق فهم عبد الله حلاق رحمه الله، فهو أمام علم اختطه، وسبيل أراده، ويعرف الطريق المثلى للوصول إلى السلامة والقوة.

منبر للكبار من الأدباء

لن اختصر الكتاب، ولا سيرة الأستاذ عبد الله حلاق، ولن أسرد تفصيلاً بما نشره، ولا بمن نشر في مجلته العزيزة الضاد، وأكتفي بالأمثلة التي ساقها الأستاذ الجليل محمود فاخوري في تقديمه للكتاب «من أمثال خير الدين الأسدي وعمر أبو ريشة وخليل الهنداوي وسامي الدهان وعبد السلام العجيلي من سورية، ومن أمثال المعالفة والشاعر القروي وزكي قنصل وجورج صيدح وأمين الريحاني ونظير زيتون من المهجر وأحمد حسن الزيات وخليل مطران ووديع فلسطين وعادل الغضبان من مصر، والأخطل الصغير وكرم ملحم كرم وشبلي الملاط وفوزي عطوي من لبنان وعارف باشا العارف والبدوي الملثم وروكس العزيزي من الأردن، وحافظ جميل وجعفر الخليلي وناجي جواد وهلال ناجي ووحيد بهاء الدين من العراق، وأحمد الستاف وفاضل خلف وخليفة الوقيان وعبد الله زكريا الأنصاري من الكويت، وغيرهم كثير..

والأسماء المذكورة كلها من الأسماء الكبيرة، وبعضها له توجه ديني إسلامي، ولكن الضاد تتسع للجميع، فنحن أمام مجلة لغوية أدبية عروبية، ولسنا أمام نشرة طائفية أو دينية واستعراض هذه الأسماء يبين الأسباب التي جعلت الضاد تحيا كل هذه الحياة، وجعلت صاحبها عبد الله يوركي حلاق في هذه المكانة المحترمة والمبجلة من الجميع وهذا ما عبّر عنه حلاق شعراً وعمل به حياته.

سأبذل في سبيل الضاد جهدي
لتسمو الضاد بالأدب الرفيع
فحب الضاد ينمو في فؤادي
نموّ الزهر في فصل الربيع

ولا يخفى ما في هذا الشعر من دلالة وربط بين (الضاد) المجلة و(الضاد) العربية واللغة.

قالوا في عبد الله حلاق

الكاتب المعروف فريد جحا

«في تكريمنا لعبد الله يوركي حلاق تكريم للإنسان الطيب الصديق الوفي الشاعر، بكل ما تحمله هذه المزايا من معاني النبل والعطاء والإخلاص. أجل ففوق ذلك كله يرتفع في خلق صديقنا العظيم مزيتان. تتجلى أولاهما في أخلاقه التي عرفتها منذ ثلاثين عاماً، فعرفت فيها مع كل ما تقدم إخلاصه لما يؤمن به، ووفاءه لما يحب ولمن يحب، وإيمانه بأن الصداقة خير ما يكسب الإنسان في حياته».

الروائي الكبير عبد السلام العجيلي

لقد كنت وأنا التلميذ الذي ما نال شهادته الثانوية بعد، أحد الذين استناروا بضياء هذا الجانب عندما نشرت لي مجلة الضاد منذ سبعة وأربعين عاماً محاضرة ألقيتها على جمهور المستمعين في الشهباء هذه المدينة الكريمة. عندما كنت طالباً في صف الرياضيات في ثانوية التجهيز الأولى يومها. لا عجب إذاً أن يظل في نفسي امتنان لا ينسى لاحتضان صاحب مجلة مشتهرة لنتاج طالب ناشئ متوسماً فيه ملامح نضج علمي وأدبي منتظر.

شاعر الشام عدنان مردم بك
شمس طلعت على الشهباء مشرقة
كأنها من خلال الليل تتّقد
ما كنت تغفل عن شيء يحاك لنا
حتى كأنك من دون الحمى رَصَد
لواء ضادك لا ينفك منعقداً
لنصرة الحق لا قيد ولا صفد
خمسون عاماً وخمس بعدها اطّردت
من السنين وأنت الطائر الغرد

الأب إلياس زحلاوي

أحيي فيك شاعراً فذاً أديباً أريباً، صديقاً وفياً، مواطناً مخلصاً لمدينتك حلب الشهباء. وعربياً أميناً لأمتك العربية الكبرى، مهنئاً إياك بما حزته من تكريم ورفعة.. أتمنى أن أرى بعد تكريمك اسمك يحتل شارعاً من شوارع مدينتك حلب، لقد غمرتها بحبك وحلبيتك، فعليها أن تغمرك هي أيضاً.

جورج مراياتي

عبد الله يوركي حلاق مبدع من أولئك المبدعين الذين عشقوا الضاد شعراً ونثراً، وشقوا طريقهم الأدبي والصحفي في زمان دالت فيه دول، وتقلبت أهواء، وغيبت آراء، واندثرت حروف وانتهكت بلاغات… عشق الشعر، فبكى آلامه شعراً، وغرّد أفراحه شعراً وشكر محبيه شعراً وأذاب عمره شعراً.

عبد الله يوركي حلاق 1911-1996

– ولد في حلب عام 1911 في حي زيد بن علي بدار الموسيقا وسامي الشوا.

– تلقى علومه في ثانوية القديس نيقولاوس الكبرى وشغف بالعربية.

– ترك المدرسة في السادسة عشرة وعمل على تثقيف نفسه.

– أسس مجلة الضاد عام 1931.

– عام 1934 أسس فرقة تمثيلية باسم فرقة حلب للتمثيل.

– درّس الأدب واللغة العربية والتاريخ في المعهد العلمي.

– انتخب في عهد الوحدة عضواً في الاتحاد القومي وعضواً في مجلس الأمة الاتحادي، وعضواً في لجنة الدستور، وعضواً في لجنة الشعر التابعة للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب.

– أصدر ستة وستين مجلداً من مجلة الضاد.

– أصدر كتباً عديدة ودواوين.

– حاز وسام الجمهورية العربية المتحدة عام 1961.

– حاز وسام الصليب المقدس عام 1980.

– وسام أفرام السرياني عام 1985.

– وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الثانية عام 1985 ثم بُدّل إلى الدرجة الأولى عام 1993.

Exit mobile version