Site icon صحيفة الوطن

الإفتاء الجماعي.. والعقل!

هكذا سيحمِل مفتي سورية السابق أحمَد بدر الدين حسون لقبَ آخر مفت في تاريخ سورية. لقبٌ يليق بهذا الرجل الذي شكَّل خلالَ مسيرتهِ حالة فريدة من الإنسانية والانفتاح، لتتحول سورية من بعدهِ رسميَّاً إلى مفهوم الإفتاء الجماعي عبر مجلسٍ علمي وفقهي يضم ممثلين عن جميعِ المذاهب، وهي بكل تأكيد سابقةٌ تستحق الوقوف عندها، على هذا الأساس لابد من إيضاح النقاط التالية:

أولاً: كل من يحب بلده يعرف ما الذي قدمهُ سماحة المفتي السابق، لكن هناك من اتخذَ الطريق الأسوأ عبر الخلط بين الدفاع عن سماحة المفتي، والهجوم على المجلس الجديد، هذه مغالطة غريبة وبمعنى آخر: لا يوجد في هذه القضية خاسر أو رابح، فلا مرسوم نقل صلاحيات الإفتاء إلى المجلس الفقهي انتصار لطرف ولا رحيل المفتي هو هزيمة لطرف آخر، بل على العكس تماماً إن أكبر انتصار لمكانة سماحة المفتي السابق قد تكون انتظار انتهاء ولايته قانونياً ليصار لاستبدالهِ بالمجلس الفقهي، وليس كما توقع البعض إنهاء الصلاحيات فورَ صدور القانون في العام 2018!

ثانياً: إن تركيبة هذا المجلس ستعني حكماً أن الآراء الروحية لجميع مكونات هذا الوطن ستبقى على كلمة واحدة، وهو أمر جيد علينا جميعاً أن ندافع عنه من دون أن ننسى أننا نتكلم في الإطار الروحي فقط.

ثالثاً: أن تكون من أنصار تقديم العقل على النقل فهذا أمر جيد ويمثلني، لكن هذا لا يعني أن المجلس الجديد سيمنعك من تقديم العقل على النقل، ثم من قالَ لكَ أساساً بأن كل منتم لهذا المجلس هو حكماً مع تقديم النقل على العقل؟ بذات الوقت فإن المشكلة لدى البعض بأنه يخلط بين تقديم العقل على النقل وبين إهانة المعتقدات، فمثلاً تستطيع ببساطة أن تقول إن حديث «لحوم العلماء مسمومة» هو حديث مدسوس جاءَ فقط ليحمي «رجال دين السلطان» من أي هجومٍ يقع عليهم وهم يشطحون بفتواهم التي تبرر تجاوزاته، فرجل الدين أياً كان هو بشر قابل للنقد والتقريظ، لكن لا يمكنك في هذا الإطار أن تهاجم العقيدة ككل بسبب حديثٍ مدسوس، أنت هنا لا تقدم العقل على النقل أنت هنا تمارس ذات الإلغاء الذي يمارسهُ الإسلام السياسي لكن بطريقةٍ أحدث!

في الخلاصة: ثقوا تماماً أن سورية في هذا الاتجاه تسير في الطريق الصحيح، دعكم من تجارب الآخرين فلكل مجتمع خصوصيته.

ببساطةٍ لو طرحت علي سؤالاً عما أنتظره من هذا المجلس؟ لكان الجواب: لاشيء خارج نطاق الاحترام الذي تفرضه علي تربيتي لا علاقة لي بهم، وربما كثر هكذا مثلي فلماذا علينا أن نخلق معاركَ جديدة هي أساساً ليست موجودة؟ ما علاقتي أنا إن كان هناك من استفتاهم مثلاً بجواز توزيع الزكاة على هذا أو ذاك؟ أحترم من استفتاهم وسأحترم من أفتوا له لكنني بالنهاية أستطيع أن أوزع الزكاة بالطريقة التي أراها أنسب، فما من بشرٍ أقدر منك على فهمِ العلاقة بينكَ وبين الخالق.

Exit mobile version