Site icon صحيفة الوطن

قروض.. لكن صعبة المنال!

علي هاشم :

بعد مخاض عسير امتد لأشهر كاد خلالها يتوقف خفقان الاقتصاد الوطني لأكثر من مرة، تمخضت القريحة المصرفية معللة إيانا بولادة اللوائح الناظمة للقروض التشغيلية في غضون الأيام القادمة.
من «عناوين» القرض التشغيلي الذي أفصح المصرف العقاري عن شروطه قبل أيام، يمكن أن نقرأ أحد أكثر «الرسائل» ركاكة في الطريق إلى تحقيق شعاراتها: النهوض بالإنتاج، وبالطبع، فمع ضعف سيولة المصرف الصناعي، وتبعاً لاعتبارات «الاختصاص» ولـ«غريزة الجوقة» التي تترجمها مصارفنا تطابقاً في شروط الإقراض تارة أخرى، يجدر ألا نتوقع ما هو أكثر تشجيعاً لدى بقية المصارف الأخرى التي لم تعلن عن شروط «قرضها التشغيلي» بعد.
وفق جميع المعايير العالمية «المعروفة»، تصنف اشتراطات قرض العقاري كـ«طارد للاستثمار»، بدءا سقفه عند 3 ملايين ليرة «ناقص 1% عمولة» مروراً بالفائدة التي «لن تقل» عن 13%، وصولاً إلى الضمانات العقارية «200% من قيمة القرض».
في الواقع، ولشدة جرعته الطاردة، يخالج المرء رغبة عارمة لمعرفة المشاريع التي تعتقد المصارف بأن مبلغاً يقل عن 3 ملايين ليرة يعد كافياً لتأمين رأسمالها العامل، وكم من المستثمرين الذين قد لا يفضلون تأجير معاملهم كشقق سكنية -مثلاً- وبالهم مرتاح، ليتراكضوا طلباً لـ«قرض تشغيلي» بفائدة لا تزيد كثيراً على نسبة العائد على استثمارهم منه؟.
كان الاقتصاد الوطني يترقب قيام المصارف -والعقاري في مقدمها- بطرح منتج أكثر إبداعاً مما فعلت في «قرضها التشغيلي»، آخذة بالحسبان حاجته الماسة لاستنهاض كل ورشة أو معمل في أي بقعة من المناطق الآمنة، لكن القريحة «المحاسبية» آلت إلا أن تعتمد الطريقة السهلة: نجمع سعر الفائدة التي ندفعها للودائع «11%» إلى الكلفة الإدارية للقرض «2%»، ليتحدد -تلقائياً- سعر فائدة القروض عند 13%.. وبعدها، فلتطو الذاكرة أساطير «الدور التنموي» للمصارف الحكومية، وليتقلب الإنتاج الوطني وحيداً في جحيمه.
«علة» القرض التشغيلي العتيد ليست وليدة لحظتها، إذ وجب إخضاع ضرورته الاقتصادية البالغة راهناً، لاشتراطات سياسات نقدية حاضة على الادخار تمت صياغتها سابقاً، وبين كلا الأمرين، تتجلى حالنا بشكل كوميدي: خلل نقدي دفع أمامه سياسة ادخارية ما لبثت أن أرغمتنا اليوم على تبني سياسة إقراضية مقيدة للإنتاج الذي لا بديل منه لإصلاح الخلل النقدي!
التهديدات التي تتربص باقتصادنا الوطني جراء تردي الإنتاج تجاوزت مرحلة الهمس كما حصل في بيانات الميزان التجاري، لتطلق صرخاتها المدوية في سوق النقد مؤخراً، ومن شبه المؤكد أن «القروض التشغيلية» وفق صيغتها المطروحة ستفشل في «تنشيط الإنتاج» التي أقرت لأجله، وعلى من يتطلع إلى تغيير مقدارها المحتوم هذا، المبادرة إلى إصلاح الخلل الماثل في سعر فائدة القرض وفي سقفه.
إصلاح خلل سعر الفائدة يتطلب خفضاً موازياً لفوائد «الودائع لأجل»، وحري بنا ألا نخشى الآثار التضخمية لذلك، إذ إن تدفق القروض نحو مطارح الإنتاج يمكن له أن يوازن الكتلة النقدية المطروحة في السوق أكثر بكثير مما يمكن للفوائد العالية المشجعة على الادخار أن تفعله.
أما لجهة سقف القرض المناسب، فقد نختلف على حدوده، إلا أنه يصعب علينا الاختلاف حول قدرة السقف الحالي الذي لا يكفي سوى لشراء بضعة أطنان من «بزر التسلية»، على إنقاذ الإنتاج الوطني.

Exit mobile version