Site icon صحيفة الوطن

العراق والانسداد السياسي المربك

تسبب قرار المحكمة الاتحادية العليا في الـ6 من شباط الماضي بإيقاف إجراءات ترشح مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري لمنصب رئاسة الجمهورية، في خلق أزمة، بسبب الطعن بصحة ترشحه للمنصب، دفعت بالعملية السياسية إلى الانسداد، بعد قيام قوى التحالف الثلاثي ممثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني، والتيار الصدري، وتحالف السيادة، بمقاطعة جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية كانت مقررة في الـ7 من شباط 2022، لكون الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يكن لديه مرشح آخر سوى هوشيار زيباري، ليمضي بعملية انتخاب رئيس الجمهورية.

رئاسة مجلس النواب، وفي خطوة اعتبرت مناورة سياسية مكشوفة، مخالفة للدستور، أعلنت في الـ8 من شباط 2022، إعادة فتح باب الترشّح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية لمدة ثلاثة أيام، ما عُد مُحاباة من رئيس المجلس محمد الحلبوسي لحليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني، لإتاحة الفرصة له لتقديم مرشحين آخرين بدلاً من مرشحهم الوحيد هوشيار زيباري، تحسباً لإمكانية رفض ترشحه من المحكمة الاتحادية، وهو ما حصل بالفعل، إذ أعلنت المحكمة الاتحادية في الـ13 من شباط الماضي، أنه «لدى التدقيق والمداولة»، قررت «الحكم بعدم صحة قرار مجلس النواب بالموافقة على قبول ترشح هوشيار محمود محمد زيباري لمنصب رئيس الجمهورية، وإلغائه وعدم قبول ترشحه مستقبلاً»، مبينة أن زيباري خضع لاستجواب مجلس النواب في الـ25 من آب 2016، وكانت نتيجة الاستجواب «التصويت على سحب الثقة منه بموافقة 158 نائباً مقابل رفض 77 نائباً وتحفّظ 14 نائباً»، مؤكدة أن سحب الثقة «يخل بتوافر الشروط الدستورية والقانونية لمن يرشح لمنصب رئيس الجمهورية»، لكون دستور جمهورية العراق اشترط أن يكون المرشح لرئاسة الجمهورية «ذا سمعة حسنة وخبرة سياسية ومشهوداً له بالنزاهة والاستقامة».
الإعلان عن إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية مرة ثانية، رغم وجود 25 مرشحاً آخرين للمنصب طُعن بهم لدى المحكمة الاتحادية، إلا أنه مكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من تقديم ريبر أحمد خالد بارزاني، وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان، كمرشح للحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.
المحكمة الاتحادية، أنهت الجدل والتناحر السياسي بشأن إعادة فتح باب الترشح للمنصب مرة ثانية، معلنة في حكم لها في الأول من آذار الجاري، أنه «لا يوجد نص دستوري أو قانوني يمنح رئاسة مجلس النواب صلاحية إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية»، ولذا «تقرر عدم دستورية إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية»، إلا أن المحكمة مكنت المجلس النيابي من «إعادة فتح باب الترشح مجدداً لمنصب رئيس الجمهورية لكن بقرار من مجلس النواب وليس من رئاسة المجلس»!
الانسداد السياسي الحالي الذي يعيشه العراق، وتجاوز المدد الدستورية في انتخاب رئيس الجمهورية، نتيجة عدم توافق حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني على اختيار مرشح تسوية للمضي بالاستحقاقات، مُرشح للاستمرار، في ظل تعنت وتمسك كل الأطراف السياسية بمواقفها، ما سيطيل من أمد تشكيل الحكومة المقبلة، إلى حين نجاح مجلس النواب في تجاوز عقبة التصويت على رئيس الجمهورية والتي تحتاج إلى ثلثي عدد نواب المجلس البالغة 329 نائباً.
إن طرفي الصراع، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والتيار الصدري، وتحالف السيادة، من جهة، والإطار التنسيقي، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وبعض المستقلين، من جهة أخرى، غير قادرين حتى الآن على تحشيد أغلبية الثلثين للتصويت لمرشحهم إلى منصب رئاسة الجمهورية، سواء كان برهم صالح مرشح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، أو ريبر أحمد خالد بارزاني مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، إلا أن كليهما قادر على تأمين الثلث المعطل لانعقاد أي جلسة نيابية، لا يتم التفاهم بشأن مخرجاتها مُسبقاً، وخاصة أن انتخاب رئيس الجمهورية يترتب عليه قيامه بتكليف رئيس للوزراء من الكتلة النيابية الأكبر، وبالتالي عرقلة انتخاب رئيس الجمهورية، الهدف منه التأخير إلى حين الاتفاق على شكل الحكومة، «أغلبية سياسية» أم «توافقية»، والذي يبدو أنه مازال بعيداً، ما لم يشارك الإطار التنسيقي فيها.
حالة الانسداد السياسي السائدة في العراق، تدفع بالعملية السياسية الجارية باتجاه أربعة خيارات محتملة:
• بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، باستمرار رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح في منصبيهما.
• نجاح توجهات مقتدى الصدر في تشكيل حكومة أغلبية مع تحالف السيادة «عزم وتقدم» والحزب الديمقراطي الكردستاني.
• ذهاب التيار الصدري إلى المعارضة.
• استمرار التعطيل والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة جديدة.
كل الخيارات مربكة، تضع العراق في حالة من عدم الاستقرار السياسي، ما لم يجر التفاهم والتوافق بين كل القوى المشاركة في العملية السياسية بشأن الخروج من مأزق الانسداد السياسي هذا، وبينما لا يلوح في الأفق مخرج من حالة الانسداد، فإن الأزمة ستبقى مفتوحة ربما لأشهر أخرى.

Exit mobile version