Site icon صحيفة الوطن

بايدن وعسل أوكرانيا المر

كان الرئيس الأميركي رونالد ريغان والغربيون عموماً ينظرون إلى الإرهابيين الذين قاتلوا الجيش السوفييتي في أفغانستان إبان دخوله البلاد 1979 على أنهم مقاتلون من أجل الحرية، يواجهون «إمبراطورية الشر»، ويسمونهم «المقاتلون من أجل الحرية»، وفي عام 1985 قام ريغان بدعوة مجموعة منهم إلى واشنطن واستقبلهم في البيت الأبيض، وبعد ذلك، وحين تم تعريفهم على وسائل الإعلام، قال: «هؤلاء السادة يساوون أخلاقياً الآباء المؤسسين للولايات المتحدة»، لم يعن الرئيس ريغان ما قال، لكن في الحقيقة أصاب من حيث لا يدري لب الحقيقة، فالآباء المؤسسون لأميركا يشبهون في أخلاقهم وأفعالهم الإجرامية والإرهابية أخلاق وأفعال تلك التنظيمات الإرهابية، التي قاتلت في أفغانستان «طالبان» والتي تقاتل في سورية والعراق مثل جبهة النصرة وداعش، ودعم ريغان أولئك الإرهابيين لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه إليه «مهندس الجهاد الأفغاني» مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر زبيغنيو بريجنسكي حينما خطب في عام 1979 في جحافل «المجاهدين» الأفغان محدثاً إياهم عن «إيمانهم العظيم بالله والثقة في عودتهم إلى بيوتهم ومساجدهم من جديد».

من كارتر وريغان في أفغانستان في سبعينيات القرن الماضي، إلى الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن وأوكرانيا، ثمة محاولة استنساخ، حيث يعتزم بايدن إعادة تجربة أثبتت الأيام فشلها وخطورتها على أميركا والعالم، حينما انفلت «عقال» الإرهاب من يد الأميركي وضرب في عقر داره وفي بقاع شتى من العالم، تجربة تتمثل بدعم وتجميع الإرهابيين المرتزقة للزج بهم في مواجهة القوات الروسية في أوكرانيا من خلال ما يسمى «الفيلق الدولي»، وتحويل الأخيرة إلى أفغانستان جديدة.

في الثاني من الشهر الحالي حذّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، من أن الحرب العالمية الثالثة ستكون نووية ومدمرة، رسالة فهمها كل من «الناتو» والولايات المتحدة، وأدركا أن المواجهة المباشرة مع القوات الروسية غير ممكنة، لما ستقود إلى نتائج يتوقعها الجميع بأن تكون كارثية، فكان الأمر أن دفع بهما إلى التلطي لمواجهة القوات الروسية بشكل غير مباشر في خندقين، الأول في خندق ما يسمى «الفيلق الدولي» الذي أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليضم مختلف المرتزقة والإرهابيين من شتى بقاع الأرض، والخندق الثاني عمليات الدعم العسكري والمادي لحكومة كييف.

تقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في مقال لها: يسعى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون في سباق يائس مع الزمن، لإيصال أطنان من الأسلحة إلى أيدي القوات الأوكرانية، في مشهد يذكرنا بجسر برلين الجوي السباق الشهير من قبل الحلفاء الغربيين لإبقاء برلين الغربية مزودة بالأساسيات في عامي 1948 و1949 في مواجهة مسعى الاتحاد السوفييتي إلى الإجهاز عليها.

وتؤكد «الصحيفة» أنه في أقل من أسبوع، دفعت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بأكثر من 17 ألف سلاح مضاد للدبابات، بما في ذلك صواريخ جافلين، عبر حدود بولندا ورومانيا، باستخدام طائرات الشحن العسكرية العملاقة «أنتونوف AN-124»، حتى يتمكنوا من القيام برحلة برية إلى كييف.

تعمل إدارة الرئيس بايدن على تجنب التحول إلى مقاتل مشارك في الحرب، الأمر الذي أكده وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن بالأمس، حينما جدد رفضه فكرة فرض منطقة حظر طيران في سماء أوكرانيا قائلاً: «تحدثنا عن منطقة حظر الطيران في وقت سابق، وللتوضيح سأكرر أن كل جهودنا تهدف إلى إنهاء سريع لهذه الحرب وهذه المعاناة، وما لا نريده هو توسيعها، لتشمل بلداننا وأراضينا»، تقول «نيويورك تايمز»: قبل عقدين من الآن، عندما بدأت القوات الأميركية بالتدفق إلى العراق، سأل الجنرال ديفيد بتريوس سؤاله الشهير: «أخبروني كيف سينتهي هذا»؟ وقال مسؤول أميركي كبير في حالة أوكرانيا، فإن السؤال الذي يتردد صداه في البيت الأبيض هو أشبه بـ: «أخبروني كيف نتجنب الانغماس في صراع قوى عظمى»؟

إذا كانت واشنطن و«الناتو» يرقصان على حافة المواجهة مع موسكو، والحذر من أن يؤدي مبدأ الدعم العسكري لأوكرانيا إلى انزلاق في مبدأ «مقاتل مشارك»، إلا أن حالهما في الخندق الثاني «خندق المرتزقة» يختلف كثيراً لجهة الحرية في الدعم الذي يمكن أن يقدماه للمرتزقة من دعم عسكري وتسهيل عبور وتدريب حال ما حصل في سورية، حيث تؤكد العديد من التقارير إلى وصول الآلاف من المسلحين المرتزقة من دول عدة في العالم، ومن الإرهابيين المرتزقة في سورية، وتحضر عدد آخر للذهاب إلى أوكرانيا لقتال الجيش الروسي، وآخر تلك الأنباء ما تم تسريبه من معلومات موثقة حول انعقاد اجتماع سرّي ضم متزعم «تحرير الشام»، المدعو أبو محمد الجولاني، إضافة إلى أربعة من كبار متزعمي «النصرة»، وعدد من كبار ضباط استخبارات النظام التركي في منطقة قريبة من معبر دير بلوط، الذي يفصل بين مناطق سيطرة «الجيش الوطني» شمال حلب من جهة، ومناطق سيطرة «النصرة» في ريف إدلب من جهة ثانية، أفضى باتخاذ خطوات فعلية وسريعة للبدء بنقل مسلحي «الجيش الوطني» إلى أوكرانيا، وخاصة منهم مسلحي الميليشيات غير المرغوب بها التي هي على حالة تناحر دائم مع «النصرة» وفي مقدمتها ميليشيا «الجبهة الشامية»، واتفقوا على نقل هؤلاء المسلحين عبر المطارات التركية نحو بولندا، تمهيداً لزجهم في المعارك الدائرة في أوكرانيا.

قد يظن بايدن و«الناتو» أنهم سيحصلون في أوكرانيا على شهد العسل، من خلال جر روسيا إلى حرب استنزاف، لتغرق في مستنقع أشبه بما حصل مع الجيش الأحمر السوفييتي في أفغانستان، إلا أن مقاربة الأمور بهذا الشكل بعيدة كل البعد عن الحقيقة وأرض الواقع، فروسيا فلاديمير بوتين تعلمت كثيراً من دروس أفغانستان والعراق وسورية، وباتت أقدر على أن تكون متقدمة بخطوة على خطى الأميركي المتكررة، ومن يتابع اللغة والرسالة الإعلامية التي يسوقها الغرب لما يجري في أوكرانيا، يعي جيداً أنها لغة ممجوجة ومكررة سابقاً في سورية، وسيدرك بايدن والناتو لاحقاً أن طعم العسل في أوكرانيا مر.

Exit mobile version