سورية

كلام أوباما في كامب ديفيد «أوامر» جديدة على الخليج الاعتياد عليها

كنان محمد صقر

كثرت التحليلات عما حمله لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما وممثلي قادة مجلس التعاون الخليجي في منتجع كامب ديفيد الأميركي الخميس الماضي، فبين من رأى أن اللقاء كان لـ«طمأنة» الخليج بتواصل الدعم والتحالف الأميركي معهم، مع زيادة فرص الوصول إلى اتفاق نهائي مع إيران حول برنامجها النووي، وبين من أشار إلى «تنامي أزمة» كشفها غياب أربعة من ستة قادة خليجيين عن اللقاء، وسط خلط وزيادة تأزم الأوراق في منطقة الشرق الأوسط. يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما بدأ ترتيب أوراقه وبيت حلفائه لإرساء «تركته السياسية» مع اقتراب مغادرته البيت الأبيض بانتهاء ولايته الثانية مطلع العام 2017. فبعد أن خلص إلى أن الأزمة في سورية قد لا تنتهي مع نهاية ولايته الرئاسية، مؤكداً أنه ليس للأزمة «حل عسكري»، وبعد أن أخفق في ولايته الأولى من إيجاد نهاية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واضمحلال فرص الوصول إلى تسوية مع حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية الجديدة، لم يبق أمامه سوى التمسك بكل قوته بإخراج اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي إلى النور، وبناء عليه استدعى حلفاؤه من قادة دول مجلس التعاون الخليجي للقائهم في كامب ديفيد الخميس، والهدف «كبح جماحهم» حتى لا يشكلوا عاملاً ممانعاً لإشعال المنطقة وزيادة تأزيمها.
ويمكن القول: إن ما نتج عن اللقاء لم يكن بمستوى المأمول الخليجي، فرغم إعلان مساعد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد العزيز العويشق عن سعادة الخليج «بأن النتائج خيبت آمال المنتقدين، وتخطت كل التوقعات»، مؤكداً أن أوباما «جدد التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة ودول الخليج» خلال القمة، وأن «الولايات المتحدة جاهزة الآن للذهاب أبعد من ذلك بقليل» مشيراً إلى أن العلاقات القوية أصلاً ارتفعت إلى مستوى «العلاقة الإستراتيجية»، إلا أن العويشق لا يمكنه تجاهل إشارات أوباما السابقة بأن مشكلة الخليج اليوم تنبع من داخله، وأن تحدياته الداخلية أخطر عليه من إيران، وكأن أوباما أراد القول لمن حضر من قادة الخليج أنكم اليوم «مشكلة المنطقة» بما لديكم من أفكار ومعتقدات. كما لا يمكن للعويشق أن يتجاهل أن أمير قطر باعتباره الرئيس الدوري لمجلس التعاون الخليجي ما كان ليبارك التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، لولا «أوامر» واضحة تلقاها من حضر منهم في كامب ديفيد.
وكان اللقاء خرج ببيان مشترك ومما جاء فيه: أن «اتفاقاً شاملاً يتيح الرقابة والتحقق ويبدد كافة المخاوف الإقليمية والدولية بشأن برنامج إيران النووي سيخدم المصالح الأمنية لدول مجلس التعاون والولايات المتحدة والمجتمع الدولي على حد سواء».
وهنا يمكن الإشارة إلى أن كلاماً كهذا لم يكن ليصدر من دول الخليج (باستثناء سلطنة عمان إلى حد ما) لولا السيد الأميركي، فأوباما أشار صراحةً إلى دول الخليج بأن المواجهة الدائمة ليست هدفاً ولا تهميش إيران هو الهدف، بل ينبغي تخفيف الاحتقان وإجراء حوار واسع يشمل إيران وجيرانها في الخليج.
وبين هذه السطور يمكن أن نقرأ بأن الولايات المتحدة عازمة على المضي قدماً باتفاقها مع إيران، وليبقى كلام العويشق بأن أوباما هدأ من مخاوف دول الخليج، وقال: إن «الاتفاق متعلق بالبرنامج النووي الإيراني، وهذا ما يتمحور الاتفاق حوله فعلياً، وليس هناك صفقة أكبر». فـ«الصفقة الأكبر» هاجس لم يبدده كلام أوباما، لأن نقاط الخلاف حقيقية، فما يقلق دول الخليج أيضاً هو تنامي نفوذ إيران في المنطقة والدعم المتهمة بتقديمه للحوثيين في اليمن من جهة ولسورية من جهة أخرى.
وإذا كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وصف القمة بأنها «مثمرة للغاية»، إلا أنه تهرب من التطرق إلى صلب مباحثاتها، مشيراً إلى أنه «من المبكر جداً» الحكم على المفاوضات الجارية بشأن الاتفاق النهائي المفترض التوصل إليه بين إيران ومجموعة 5+1.
وكان مسؤولون خليجيون أعربوا عن رغبتهم في عقد اتفاق مشترك شبيه بمعاهدة حلف شمال الأطلسي، لكن مثل هذا المشروع الذي يتطلب الضوء الأخضر من الكونغرس لم يدرج على جدول الأعمال في واشنطن.
وبالتالي سيكون لزاماً على دول الخليج تنفيذ إحدى أهم «هدايا» تركة أوباما، بالمسارعة لتوقيع عقود بمليارات الدولارات مع كبريات شركات صناعة الأسلحة الأميركية، علها بتكديس الأسلحة في مستودعاتها تجد شيئاً من الطمأنينة المأمولة.
الأزمة في سورية واليمن والعراق وليبيا وغيرها، لم تكن غائبة هي أيضاً عن كامب ديفيد، ولكن هل كان البيان المشترك متناسباً مع الرهان الخليجي؟، فالبيان قال: إن اللقاء: «بحث أكثر الصراعات حدة في المنطقة، بما فيها سورية، والعراق، واليمن، وليبيا، وما يمكن القيام به لحلها، واتفقوا على مجموعة من المبادئ، بما فيها الإدراك المشترك بأنه ليس هناك من حل عسكري للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة، والتي لا يمكن حلها إلا عبر السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة كل الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية». وهنا أيضاً يبدو أن الكلام لم يكن بمستوى المأمول الخليجي، فالضغط السعودي المصحوب بتنسيق جديد مع تركيا لتأزيم الأوضاع في سورية، إضافة للمضي السعودي قدماً بالعدوان على اليمن، لا يبدو أن هذه الأسطر باركته، ولا يبدو أن أوباما العامل على مبدأ «الفوضى الخلاقة»، كان مباركاً لمراهقة سياسية سعودية تقود المنطقة برمتها إلى الانفجار، وبالتالي فالكلام عن حلول سياسية في المنطقة «أوامر» جديدة على الخليج الاعتياد على سماعها أميركياً «حتى ولو من باب التصريحات، طالما أن الخليج لن يتجاوز خطوط واشنطن الحمر».
إيران بدورها زادت تخبط الخليج تخبطاً، لتعلن على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها مرضية أفخم: أن بيان الدول المشاركة في قمة كامب ديفيد يدل على تناقض بين أفعالها وأقوالها وإن ما قيل لا يتناسب مع تجاهل وحدة أراضي اليمن. ورفضت أفخم «المزاعم حول أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة» ووصفتها بأنها مكررة ولا تعكس الواقع، مؤكدةً أن إيران على استعداد للبدء في حوار مع دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرة أن الحوار مع الجيران «أمر ضروري».
أخيراً: يمكن القول اليوم إن «فوضى أوباما الخلاقة» باتت تؤتي ثمارها، وعلى الواهمين من حلفائه في دول الخليج التيقن بأن هذه السياسة لا يمكن أن تقف عندهم، فأوباما يدرك تماماً أن شرق أوسط بخليج «مستقر» رهان ليس بالضرورة ناجحاً ولن يخدم تركته السياسة الساعي لإرسائها، وبناء عليه على الخليج الاعتياد والتحضر من اليوم على وجود عملاق إقليمي اسمه إيران، كأمر واقع بمباركة واعتراف دول العالم وعلى رأسهم راعي الخليج الأول في واشنطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن