Site icon صحيفة الوطن

فن التجهيز.. ملعب واسع للأفكار والموضوعات!… د. بثينة علي لـ«الوطن» ترمز إلى مدينة دمشق وللسلام والمحبة … مصطفى علي: أحد اتجاهات فنون ما بعد الحداثة التي ربطت الفن بالمجتمع

«لو عكسنا الصورة ورأينا ما يراه الحمام فهل ستسمع هذه الضوضاء، هل سترى الخراب، أنه ألم وألم ومعاناة، نظرت مرة أخرى ماذا رأيت؟

بصري ضعيف.. لا أستطيع أن أرى سوى المعاناة..

الحمام يحوم ويحوم.. هل ستأتي علامة السلام إلى هذه المدينة الرمادية التي تفوح منها رائحة الألم؟»..

هذا ما كتبه أحد منفذي مشروع «كان يا مكان شباك»، يعلق هذه كلوحة، تزين جداراً في باب شرقي، وينتظرنا في ما بعد أسراب الحمام التي تحكي عن قصة قديمة تعود إلى ١٢ عاماً حضرتها الدكتورة في كلية الفنون الجميلة بثينة علي لتندلع الحرب وتبقى الحمامات بانتظار من يطلق أسرها..

أما اليوم فتختار طلاباً من كلية الفنون ليعبروا كل بأسلوبه عن حالة طائر الحمام مع اختلاف الوقت والظروف التي تمر بها البلاد..

وعند اقترابنا من حارة المشربية شهدنا ولادة ظاهرة استثنائية أظهرت تناغماً مدهشاً بين الفن والمكان، شارك 15 فناناً شاباً حكاياتهم بأعمال فنية حية فريدة وطرح غريب للواقع لمعرض فن التجهيز بالفراغ «كان يا مكان.. شباك» الذي أطلقت فكرته الدكتورة بثينة علي أستاذة الرسم والتصوير في جامعة دمشق في غاليري سامر قزح والأحياء المحيطة به.

وقالت المشرفة على العمل الدكتورة بثينة علي عن فكرتها بفن التجهيز في الفراغ التي تعمل عليها منذ عشرين عاماً وسعت لأن تنقلها للفنانين الشباب حتى يقدموا أعمالهم في هذا المجال للمرة الأولى لافتة إلى أنها سعت إلى أن تنفذ هذا المشروع في منطقة جسر السيد الرئيس قبل 12 عاماً ولكن الحرب الإرهابية على سورية عطلت حلمها لتضع مكوناته في مستودع صغير قبل أن يبعث حياً بفضل همة واندفاع فنانين شباب يشبهون سورية في قيامتها.

وعن اختيار الحمامة في المعرض كشفت علي أنها استخدمتها، لأن هذا الطائر يرمز لمدينة دمشق وللسلام والمحبة لتقدم من خلاله رسالة للعالم من شباب عاشوا آلام الحرب ويريدون أن تعود بلادهم للحب والنقاء.

متطور عن اللوحة

وبين الفنان مصطفى علي أن: «هذا الفن قائم على موضوع متطور عن اللوحة العادية، والتجهيز في الفراغ هو أحد اتجاهات فنون ما بعد الحداثة التي اهتمت بمشاركة الجمهور وربط الفن بالمجتمع، وهو لغة جديدة ابتكرها عدد من الفنانين المعاصرين ساعين إلى تشكيل نوع من التواصل بينهم وبين الجمهور من خلال الاشتغال على مفهوم «العرض» وكيفية تنظيم وتنسيق عناصر العمل الفني في «فراغ حقيقي» سواء كان داخلياً أم خارجياً، وهو نوع من النشاط العقلي يقوم به الفنان لممارسة هذا الشكل الحديث من الفن. وأعتقد أن هذا المعرض يتناسب مع العروض العالمية في تقنيته، وهو مشروع أجل كثيراً بسبب الحرب، واليوم يبصر النور بجهود الطلاب الشباب».

الطلاب المشاركون

وحمل مشروع دانا سلامة خريجة كلية الفنون الجميلة عنوان «من أنا» والذي تقوم فكرته على الاختلاف والتضاد في مكونات الحياة مستخدمة أشكالاً لطائري الحمام والغراب لإيصال فكرة أن الأفراد المختلفين بأفكارهم ينبذهم وسطهم المحيط.

وجسدت ليلاس الملا طالبة في كلية الفنون الجميلة فكرة مشروعها من خلال البيت على أنه ملجأ وأمان، ولكن حين يبقى الإنسان رهيناً له لفترات طويلة سوف يقيد حركته وأحلامه.

وبينت إحدى المشاركات جلنار صريخي خريجة كلية الفنون الجميلة قسم التصوير أنها استخدمت في مشروعها «عجز» المكان كعنصر أساسي أما الحمام فمثل واقعاً يحيطه الخوف والألم والتعب.

وحمل مشروع آلاء حبوس طالبة الماجستير في التصوير الزيتي عنوان «حلم» بتجهيز صوتي متقن مجسدة حمامة بيضاء تطير في السماء وتحمل السلام ولكنها تتحول إلى حطام في محاكاة للأثر السلبي لسنوات الحرب العشر في نفوسنا ولاسيما أصوات الرصاص والقذائف.

إضاءة على هذا الفن

ظهر هذا الفن بمنزلة ردة فعل على التشبّع الذي وصلت إليه الفنون البصرية من الأساليب التقليدية، والتي استمرت طويلاً، مع ما رافقها من حروب وثورات وصراعات. فشكّلت ردة الفعل هذه مدخلاً تعبيرياً جديداً، اعتمدت لغته على الحركة والإيقاع والشكل والزمان والمكان والأداء، وابتكار وسائل حديثة من خلال دمج وسائط متعددة، سابقة الصنع أو مصمَّمة بشكلٍ مقصود من الفنان بأسلوب مفهومي خاص.

خرج فنان التجهيز من إطار اللوحة ليعبّر بشكلٍ معاصر، وبأسلوب جديد عن أفكاره المبتكرة، فجعل من الفراغ ملعباً فسيحاً لأفكاره، وهذا يتطلب من الفنان ثقافة فنية وفكرية، وخيالاً علمياً وإبداعياً للوصول إلى عمل تجهيزي والقدرة على إيصال مضمونه ومفاهيمه للمتلقي.

كما باتت الفكرة هي الأصل، والعمل الفني هو تجسيد مادي لها، فالفكرة هي الركيزة والمرجع ولولاها لما كان العمل الفني، على الرغم مما يحققه من تجهيز وتركيب ومواد تتلاءم مع الفكرة المركزية، حيث سجّل فن التجهيز في كل الحالات مصالحة علنية، مع الروح والشعور الإنساني، بالتوحد مع التقنيات المبرمجة لحياتنا المعاصرة. ومما يدل على رسوخ فن التجهيز، هو الإعلان عن عدم القدرة على القيام بمسح شامل لهذا المجال الفني، لاستحالة ذلك، بسبب اتساع ممارسته. فالكثير من المجموعات الفنية انخرطت في سياقات جديدة فبات العمل الفني مفتوحاً.

Exit mobile version