Site icon صحيفة الوطن

«اعتدال رافع وإبداع الوجع» … غوص في أدبها وحياتها ومعاناتها

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب دراسة بعنوان «اعتدال رافع وإبداع الوجع»، للدكتورة ماجدة حمود، تقع في 208 صفحات من القطع الكبير، وهدفت الدراسة إلى تسليط الضوء على أدب الكاتبة السورية اعتدال رافع التي عاشت حياتها بعيدة عن بريق الشهرة رافضة اللهاث وراء الزيف والمادة، حاربت بقلمها مرض السرطان الذي رافقها لأكثر من خمسة وعشرين عاماً حيث لم تجد أمامها سوى الاتكاء على حروفها فباتت أوكسجين حماستها للحياة وفرحتها الوحيدة التي أمدتها بنبض البقاء، لتثمر من آلامها أجمل الإبداعات فأصبحت من أهم رواد فن القصة السورية، وتحاول هذه الدراسة التوقف عند بعض قصصها القصيرة، الفن الذي أخلصت له وصولاً إلى شعرها ومقالتها والكشف عن بعض أسرار تميزها.

جوانب الجمال

في البداية تحاول الكاتبة تلمس جوانب الجمال والتميز في فن القصة التي خطتها اعتدال رافع بمزيج من الشعر واللغة اليومية لتمنح القصة حيوية تساعد المتلقي على إنقاذ روحه من قتامتها مثلما تنقذ أبطالها من وجعهم وبؤسهم. فتقول الدكتورة ماجدة: «في قصة المخاض نسمع صوت الزوجة الفقيرة في حوار داخلي حين يدخل زوجها المطبخ لتناول الفطور» تصبين له فنجان الشاي، وأنت تتحاشين النظر إلى وجهه ترتسم دوامات على وجه الفنجان من لفح همومك» وبذلك تمنح بفضل لغة الشعر الأشياء اليومية أبعاداً جمالية وإنسانية معاً، ما يبرز توحدها بل تفاعلها مع هموم الإنسان فتستطيع عندئذٍ أن تخلق تواصلاً مدهشاً بفضل عمق الإحساس بالوجع والخيال الذي يعين المتلقي على مواجهة بؤس حياة لا تتوقف منغصاتها». ومن الجوانب المميزة الأخرى التي تطرقت لها الكاتبة التجديد في الرؤى واللغة ورسم الشخصية بطريقة غير مألوفة لهذا تجلت الحداثة في بعض قصصها حين أكد بصوتها وهمية شخصياتها في حين نجد مؤلف القصة التقليدية يؤكد واقعيتها. فتذكر الكاتبة: «تبدت لنا رغبة اعتدال رافع في مجموعتها (يوم هربت زينب) تجديد إيقاعها الفني، ما أتاح لنا معايشة تجربة إبداعية يتعانق فيها جمال اللغة المدهش بالتجربة اليومية مثلما يتعانق الأسلوب التقليدي بالأسلوب الحداثي، فقد أعلنت منذ الرسالة الأولى (العنوان) أنها تقوم بخرق التقاليد المألوفة في كتابة القصة فهي ترغب في تقديم عالم غير معقول أشبه بالحلم، لعلها توحي باستثنائية شخصياتها وفرادتها».

تراسل الفنون

في هذا الجانب تناولت الكاتبة كيفية تداخل الفنون عند اعتدال رافع التي لم يعنها الالتزام بأي قيد ينتمي إلى جنس أدبي محدد لذلك نجدها كتبت المقالة التي تتداخل بالشعر، والقصة، والسيرة الذاتية، والمسرح وبذلك استطاعت أن تجسد في كتابتها الإبداعية مصطلح تراسل الفنون ليعايش المتلقي بفضلها مفهوماً حداثياً للكتابة تنفتح دلالاته بعيداً عن تلك الرؤية الضيقة له. فتقول الدكتورة ماجدة: «تختار الكاتبة عنواناً لإحدى مجموعاتها القصصية يتراسل فيه فن الشعر وفن القصة وفن السيرة (بوح من زمن آخر) ولاسيما أن مفردة بوح تتناسب مع لغة الأعماق التي تعد مكوناً أساسياً لهذه الأجناس الثلاثة وإن بنسب متفاوتة، كما يلاحظ في عنوان آخر (حالات الشعر) أن الكاتبة تستمده من مصطلح الحالة الذي يستخدمه عادة الصوفيون، وبذلك تستخدم اعتدال رافع هذه المفردة بدلالة تناقض استخدام المتصوفة فتعبر عن حالة شعرية تعيشها وجعاً وقهراً». كما توضح الكاتبة التراسل بين المقالة والقصة السيرية في مؤلفات اعتدال حيث ظهر أسلوبها هذا وبشكل واضح منذ مقالاتها الأولى التي جمعت في كتاب بعنوان «بيروت كل المدن، شهرزاد كل النساء» إذ تبدو المقالة جنساً أدبياً تفرغت له الكاتبة سنوات عدة لكنها جعلته منفتحاً على أجناس أخرى مثل الشعر، القصة القصيرة، السيرة الذاتية ليستوعب زخمها الداخلي وإشكالات عصرها معاً.

المرض الصديق

كما تطرقت الدراسة إلى رحلة اعتدال رافع مع مرض السرطان الذي تعايشت معه وكأنه صديق يلازمها في كل حالاتها ونشأت بينها وبينه علاقة استثنائية جعلتها تفكر بكتابة رواية لم تكملها بعنوان لافت ومؤثر (صديقي السرطان). وتقول الكاتبة: «حين يتأمل المتلقي علاقتها به يلاحظ أنها كانت متصالحة معه وأنه مرض عادي كالرشح على حد قولها لي، لهذا لم تخف إصابتها به كما يفعل بعض الناس، أعلنت أهواله على الملأ بل تجرأت وبينت المكان الذي استوطن فيه (الزهرة نائمة في كتاب/ والكتاب نائم على صدري/ وصدري مأكول بالأورام/ يبكي أقماره في الليل) فيلمح المتلقي هنا محاولتها لمقاومة المرض لهذا تتسلح بالجمال (الزهرة) والمعرفة (الكتاب) فترى في هذا الجمال تعويضاً عن صدرها».

وتسلحت اعتدال بأدوات كثيرة لمواجهة مرضها كان أبرزها الكتابة الإبداعية التي بدت حبل الخلاص لها من أوجاعها إذ سكبت أحلامها بالحياة على صفحة الورق، وبذلك استطاعت حروفها أن تحفر عميقاً في وجدانها فتحاول بفضلها إخراج ألمها من كهف يغمر بظلمته جسدها وروحها، لهذا توضح اعتدال للمتلقي « كانت أقصى طموحاتي أن أجد التعبير عن نفسي، وترجمة مشاعري، فالتعبير عن الذات، البوح الصادق، أهم من الحياة نفسها، إذ ما نفع العيش الملجوم إذا كان الإنسان يخاف أو يخجل من ترجمة نفسه والإعلان عن ذاته؟ اعتقدت أنني استطيع أن أحقق هذا الطموح المتواضع الذي يدخل البهجة إلى قلبي في زمن التفاؤل ذاك، كنت أحس بالتواصل مع الحياة بالثقل الذي يجمعني حباً ويشدني إليها: العشق، العناق، القبلات، الأفراح والأحزان الصغيرة والأحلام التي تتخم الخيال وتشحذ القلب».

Exit mobile version