Site icon صحيفة الوطن

«مدن خلدها التاريخ» تنتمي إلى وطن واحد

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب، كتاب بعنوان «مدن خلدها التاريخ»، تأليف الدكتور هشام سعيد الحلاق، يقع في 272 صفحة من القطع الكبير، ويهدف الكتاب إلى تقديم حقائق وأسرار وقصص شائقة بل نادرة أحياناً عن مدن ثلاث (دمشق، القدس، وقرطاج) خلدها التاريخ على مر عصوره وأحداثه، مدن تنتمي إلى وطن واحد وتتشارك فيما بينها بخصال متفردة لا نجد لها مثيلاً بين المدن الأخرى في العالم: مكانةً وتاريخاً، ولغةً وثقافةً وعادات وتقاليد، بالإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية لموقع كل منها الذي جعلها محط أنظار ودفعها لأن تؤدي أدواراً تاريخية وحضارية ذات شأن في التاريخ الإنساني.

دمشق

يستهل المؤلف كتابه بالحديث عن أعرق وأقدم مدينة عرفها التاريخ فيتحدث عن أهمية ومكانة مدينة دمشق وموقعها وطبيعتها وأصل تسميتها وأبرز مبانيها ومعالمها الأثرية (الأسوار، الأبواب، الحصون، الحمامات)، ويبحر في تاريخها منذ العصور القديمة وحتى استقلال سورية عام 1946، وفي عبارة مهمة خطت بداية هذا الفصل (لكل إنسان متحضر في هذا العالم له وطنان.. وطنه الأم وسورية) لشارل فيرلو، حيث أوضح أن دمشق هي العاصمة السورية التي تمتد بجذورها التاريخية إلى نحو سبعة آلاف سنة قبل الميلاد وبحسب ما أشارت إليه الحفريات الأثرية بالقرب من المدينة في موقع تل الرماد- 25 كم جنوب غرب دمشق- يستدل على أن تاريخ المدينة ربما يعود إلى نحو تسعة آلاف سنة الأمر الذي يجعل من هذه المدينة العاصمة الأقدم لعدة حضارات على مر التاريخ. ويستعرض الكاتب أبرز الممالك والحضارات التي تعاقبت على دمشق قبل الفتح العربي الإسلامي للمدينة، فيذكر: «هي قبلاً مملكة للآراميين وتدعى آرام دمشق وبقيت دمشق يحكمها ملوكها الآراميون بعد صراعهم مع مملكة إسرائيل وانتصارهم عليها إلى أن احتلها الملك الآشوري تغلّت فلاسر حيث اشتهرت حينئذ بهيكلها العظيم الذي كان مخصصاً لعبادة رامون إله الآراميين، وقد استمرت دمشق في حوزة الآشوريين إلى سنة 731 قبل الميلاد ليستولي عليها البابليون، ومن بعدهم انتقلت تبعية دمشق إلى السلوقيين اليونانيين إلى أن استولى الرومان عليها سنة 64 ق. م».

القدس

يشير الكاتب في بداية هذا الفصل إلى نشأة مدينة القدس وأصل تسميتها القديمة « يبوس» التي تنسب إلى قبيلة يبوس العربية وهي بطن من بطون العرب الأوائل نشؤوا في صميم شبه الجزيرة العربية ثم هاجروا إلى فلسطين مع من هاجر من القبائل وانصهروا بسكانها الأصليين من العرب الكنعانيين ويعود الفضل إليهم في اختيار موقع القدس الحالي في الألف الثالث قبل الميلاد وأنشؤوا عليه مدينة (يبوس) القدس الحالية وبذلك يعد اليبوسيون بناة القدس الأولين. وأهم ما ميز هذا الجانب هو تناوله لأبرز محطات القدس في العصور القديمة وعدم اقتصاره فقط على موضوع الاحتلال الصهيوني وبذلك قدم معلومات أوسع وأشمل عن عراقة هذه المدينة، فتحدث الكاتب عن هيمنة الفراعنة على القدس حيث قال: «بعد أن ضعف اليبوسيون تعرضت مملكتهم للغزو من جانب العبرانيين الجدد مما دفع الحاكم اليبوسي عبد حيبا لطلب النجدة والحماية من فرعون مصر تحتمس الأول ولكن الفراعنة الذين جاؤوا لنجدتها أخضعوها لحكمهم ولقد جعل الفراعنة تلك المدينة وما حولها مناطق لنفوذهم كما في عهد رعمسيس الثاني وعهد نيخو كما استفادوا من غنى المدينة وخصب أراضيها ومن موقعها المتميز فجعلوها مركزاً متقدماً لجيش الفرعون فحشدوا فيها الجند والموظفين والجباة بما ساعدهم على حماية طريق التجارة الرئيس نحو مصر في تلك الفترة من حكمهم».

قرطاج

ثالث المدن التي خلدها التاريخ وختم بها الدكتور هشام مؤلفه هي المدينة التونسية «قرطاج»، وتعود كلمة قرطاج من حيث الأصل الفينيقي إلى عبارة (قرت-حدشت) التي تعني المدينة الجديدة أو العاصمة الجديدة. ويتناول الكاتب هنا التطور التاريخي لنشوء الإمبراطورية التي مرت بأربع مراحل: المرحلة الملكية، حقبة حكم أسرة ماقون، مرحلة مشاركة القرطاجيين في حكم البلاد، المرحلة الأخيرة في عمر قرطاج. بالإضافة إلى المجتمع القرطاجي الذي تم التعرف على حياته من خلال النقوش والأوابد الحجرية المكتوبة التي عثر عليها نتيجة أعمال التنقيب الحديثة في قرطاج، ويذكر الدكتور هشام أهم مميزات هذا المجتمع: « لعل أبرز ما تميز به المجتمع القرطاجي مقارنة مع المجتمعات الأخرى آنذاك هو مساواته بين المرأة والرجل منذ بداية نشأته وتكوينه… وقد كان للدور المهم الذي لعبته المرأة القرطاجية في مجتمعها ومشاركتها الفاعلة في أنشطته المختلفة السبب الرئيس في احتلالها لتلك المكانة المتميزة فكانت تشارك في أمور الاقتصاد والسياسة والحكم والحروب والكهنوت». وتطرق الكاتب أيضاً إلى أهم الحروب التي خاضتها قرطاج ضد اليونانيين والرومان ( الحروب الصقلية بين قرطاج واليونان، الحروب البونية بين قرطاج وروما)، وتحدث عن لغة وثقافة هذه المدينة التاريخية التي عرف أهلها اللغة البونيقية وهي اللهجة الإفريقية للغة الفينيقية ومنذ تأسيس قرطاج حتى نهاية الإمبراطورية الرومانية كانت من أهم لغات شمال إفريقيا وهي لغة سامية كالعربية.

Exit mobile version