Site icon صحيفة الوطن

ربما تكون آخر الحروب الامبريالية

يعد الإيطالي من أصل هندي رئيس «منظمة الحوكمة – غلوكال سيتيز» فاس شينوي، من رجال الأعمال العالميين والسياسيين المستقلين على الرغم من علاقاته مع الكثيرين من أصحاب القرار في الغرب، وقد نشر في 25 حزيران الجاري تحليلا عرضه في مجلة «بلاك كريستيان نيوز» التي تدافع عن الفقراء السود في العالم، يتوقع فيه بموجب العلوم التاريخية «اقتراب نهاية النظام العالمي الغربي بعد تطورات الحرب الجارية بين الغرب ضد روسيا والصين وظهور نظام يتوازن لمصلحة الشرق».

وينطلق شينوي من فهمه للتاريخ وتطورات عوامل القوة فيه، فيجد أن «العالم يسير نحو نهاية النظام الجيوسياسي القديم الذي حافظ على نفسه منذ العصور الوسطى حتى الآن، وستشكل تطورات الحرب الجارية ضد روسيا في أوكرانيا فاتحة لموت النظام العالمي الغربي الذي حافظ على تكرار نفسه قروناً عديدة، وسوف يشكل الوباء والحرب والجوع آخر مظاهر هيمنة الغرب وولادة نظام عالمي جديد يحقق التوازن لآسيا وإفريقيا القارتين اللتين تختزنان ثروة العالم واللتين كانتا مركز القوة العالمية قبل الثورة الصناعية».

يبدو من الواضح بعد مرور أربعة أشهر على العملية العسكرية الروسية وشن حرب أميركية – غربية متعددة الأشكال على روسيا وتهديد الصين، أن ما يجري على المستوى العالمي هو حرب متسارعة بين الغرب ضد الشرق الذي تمثله قوة روسيا والصين الصاعدة والقابلة للتوسع في تحالفاتها مع دول قارة آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، بل مع بعض الدول الأوروبية في قلب أوروبا نفسها على الرغم من هيمنة واشنطن على قرارات عدد من الدول في العالم وتسخيرها لمصالحها الإمبريالية.

وبات من الواضح أيضاً أن تطورات حرب الغرب على الشرق بدأت تفتح باب فرص جديدة وواسعة لعدد كبير من الدول النامية للاختيار بين الاستمرار بالخضوع لهيمنة الغرب الذي حمل الاستعمار والعبودية ضد شعوبها، وبين التمرد عليه والخروج من دائرة سيطرته لتحقيق مصالحها مع نظام عالمي جديد يتحقق فيه التوازن الإيجابي لقوة الشرق الصاعد والدول النامية المنضوية فيه، ولم يعد هناك مجال لهذه الدول النامية التي أنهك شعوبها الغرب طوال قرن ونصف القرن من الاستعمار والاستغلال، إلا المساعدة على إزاحة كابوسه الجاثم فوق صدور شعوبهم.

ويبدو أن الغرب أدرك خطر هذا الاستقطاب الذي ولدته حرب واشنطن على روسيا والصين ونتائجه بين الدول النامية، فقرر باسم ما يسمى «الدول السبع الكبار» في قمته أول أمس الدعوة لجمع مبلغ 600 مليار دولار بزعم أنه سوف يقدمها لمساعدة الدول النامية التي أصبح عددها يزيد على مئة وعشرين دولة في العالم، على حين أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حصل عام 2017 على «هبة» بقيمة 500 مليار دولار من الرياض لمصلحة الولايات المتحدة وحدها، علماً أن السعودية تعد من ناحية التطور الصناعي من الدول النامية رغم أنها غنية بالبترول وأمواله، ولذلك يسعى الغرب من وراء هذه الدعوة إلى جني أرباح من سيطرته واستثماراته في الدول النامية لتعويض ما خسر بسبب النتائج العكسية التي ولدتها حربه الاقتصادية على روسيا.

وفي قمة الدول السبع تقرر أيضاً دعوة الدول الأوروبية الأطلسية إلى زيادة ميزانيات الحرب، وجرى الإعلان بصراحة عن الهدف وهو التصدي لامتداد الصين وروسيا في آسيا وأوروبا وإفريقيا، وهذا يعني أن الغرب يريد المحافظة على هيمنته وتسخيره لمصادر ثروات الدول النامية عن طريق فرض قراراته عليها لمقاطعة روسيا.

بهذه السياسة الغربية من المتوقع أن تطالب واشنطن حلفاءها في الغرب بتوسيع دائرة التدخل الغربي ضد سياسة الدول النامية ومنعها من اتخاذ مواقف مستقلة ومناهضة للسياسة المعادية لروسيا.

ولا شك أن برنامج زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه الأيام إلى عدد من دول آسيا الوسطى سيعزز من متانة التحالف القائم بين هذه الدول وموسكو ويحول دون مراهنة الغرب عليها، كما أن التعاون الهندي الروسي المستمر سيضع الغرب كله ولأول مرة في التاريخ أمام أكثر من نصف عدد سكان العالم وبقوتين عسكريتين كبريين نوويتين في آسيا وأوروبا.

ويؤكد شينوي في تحليله بأن روسيا تدرك أن أوروبا بدأت تواجه أزمات اقتصادية متسارعة بسبب حربها عليها وسوف تؤدي إلى سقوط الأحزاب الحاكمة في عدد من دولها والخروج من دائرة الحرب، ولذلك يتساءل محللون في الولايات المتحدة عما إذا كانت هذه الحرب الأميركية ستشكل آخر حروبها العالمية والإقليمية؟

Exit mobile version