Site icon صحيفة الوطن

تأرجح العملية العسكرية التركية بين «جدة» و«طهران»

بات من الراجح، بعد تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي آكار يوم الأحد قبل الماضي، أن جهود «الوساطة» التي قامت بها طهران مطلع شهر تموز بين دمشق وأنقرة لم تؤت المرجو منها، أو أنها على الأقل، لم تنجح في تقريب وجهات النظر بما يكفي لنزع فتيل «البارود» الذي عمد «آكار» إلى إظهاره بوضعية الاستعداد للاشتعال، على حين حدوث الفعل بات مسألة وقت لا أكثر، ففي تصريح لهذا الأخير في 10 تموز قال: إن «بلاده لن تتراجع أو تؤجل، العملية العسكرية التي تخطط لتنفيذها ضد قوات سورية الديمقراطية في سورية»، قبيل أن يذهب إلى نفي التقارير التي راجت مؤخراً في أعقاب اجتماع قمة الـ«ناتو» في مدريد أواخر شهر حزيران الماضي، والتي رجحت أن أنقرة كانت قد تلقت العديد من «النصائح» التي قدمها قادة الدول المجتمعون لثنيها عن تلك العملية.

يشير التمديد الحاصل يوم 11 تموز الجاري للقرار 2585 القاضي بإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر «باب الهوى» على الحدود السورية التركية، إلى وجود حال من التناغم استطاع المحافظة على قوامه بين أنقرة وموسكو رغم اللهيب الأوكراني، فموسكو التي لم توافق على التمديد إلا بعد تضمين القرار إشارتين اثنتين، أولاهما تتعلق بوجوب إيجاد آلية لتنفيذ القرار، وثانيتهما تتعلق بمشاريع التعافي المبكر ولاسيما الحيوية منها كالتعليم والصحة والكهرباء، كانت تضع في حساباتها، دون شك، المصالح والمطالب التركية من ذلك القرار، ولم تكن مصادفة أن يجري تمرير القرار في مجلس الأمن بعد ساعات من الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس التركي بنظيره الروسي.

لا تبدو أنقرة أنها مستعدة للتخلي عن مشروعها في الشمال السوري عموماً وفي إدلب ومحيطها على وجه الخصوص، حتى وإن لم تقم بأي عملية عسكرية جديدة، وهذا من الممكن لحظه عبر مجمل السياسات والطروحات التي خرجت بها أنقرة منذ أواخر عام 2016 الذي شهد استعادة السيطرة على كامل مدينة حلب، وآخرها كان في شروحات «المخاوف الأمنية» التي قدمها الرئيس التركي لوزير الخارجية الإيراني إبان لقائه مؤخراً به في أنقرة، فالمخاوف، أياً تكن مشروعيتها أو مصداقيتها، تقتضي قيام حوار سياسي مع دمشق للوصول إلى توافق حول الآليات الكفيلة بإيجاد حلول لها والتي يمكن أن يكون اتفاق أضنة 1998 إطاراً لها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال لأي عمل عسكري، مهما كان نوعه أو حجمه، أن يقود لحلول جذرية لتلك المخاوف، بل على العكس، فإن تكرار الفعل لن يفضي، من حيث النتائج، إلا إلى مراكمة المزيد من الفوضى التي لن تقود بالضرورة إلا إلى تنامي تلك المخاوف، ولذا فإن إصرار أنقرة على الحل العسكري، الذي شهد حتى اليوم أربع طبعات منه، لا يشير إلا إلى حال واحدة هي الإصرار على تأطير المشروع التركي في الشمال السوري الذي يعني، حتماً، قضم المزيد من الجغرافيا السورية.

الآن باتت «ساعة الصفر» للعملية العسكرية التركية المزعومة مرتهنة بمعطيين اثنين مهمين، أولهما ما ستفضي إليه جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في الشرق الأوسط التي بدأت يوم الأربعاء الماضي وانتهت أمس السبت، وثانيهما خلاصة اللقاء الذي سيجمع أردوغان بنظيريه الروسي والإيراني في طهران يوم غد الثلاثاء، و«الساعة» ستتحدد وفقاً للتقاطعات التي ستجريها أنقرة في النتائج التي سيفضي إليها كلا الحدثين الأخيرين، وفي التقديرات فإن قمة جدة سوف تقدم صورة أكثر وضوحاً لملفات عدة على امتداد المنطقة بدءاً من مسألة التطبيع مع إسرائيل ثم وصولاً إلى الخيارات الموضوعة على الطاولة في ما يخص العلاقة الغربية، وكذا الإقليمية، مع إيران، ولا أهمية هنا على الإطلاق للسقوف المرتفعة التي ذهب إليها بايدن إبان لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما أشار إلى احتمال الذهاب إلى المواجهة العسكرية مع طهران، إذ لطالما كان فعل «الإطراب»، الذي فرضته الأحداث على رئيس مجروح في «غرته» الأوكرانية، لزوم ما يلزم للقول إن عمل «النول» يسير على ما يرام وخصوصاً أن تحقيق نجاح اقتصادي عسكري سياسي في جدة كان يبدو أملاً «منقوصاً» بعد الانزياحات التي شهدتها السياسات الخليجية في أعقاب اندلاع اللهيب الأوكراني بالتزامن مع اهتزاز «مشروعية» القيادة الأميركية للعالم، لكن المهم بالنسبة لأنقرة هو طبيعة التحالفات والمدى الذي ستذهب إليه ومن خلالها سوف ترتسم حدود المتاح بالنسبة لمشروعها الذاهب في مراميه البعيدة إلى جعل «الميثاق المللي» المقر في أنقرة عام 1920، والقاضي بحق الأخيرة ببسط سيطرتها على المناطق التي تحتوي على أقليات تركية.

سترسم مآلات جدة هوامش لقاء طهران 19 تموز، وفي ضوئها ستتحدد الطروحات والمطالب، التركية من الرئيس الروسي الذي سيكون قد «جب» هو الآخر تلك المآلات وقام بتحديد الردود الأنسب عليها، وهذي الأخيرة ستحمل بين طياتها بالتأكيد «إرضاء» أنقرة التي نجحت حتى الآن في لعب دور «غير مستفز» لطرفي الصراع، الروسي والأطلسي المندلع في أوكرانيا.

في مطلق الأحوال هناك رجحان واضح لاحتمالية قيام أنقرة بعمل عسكري يطول مناطق في الشمال السوري، بينما توقيته المرجح سيكون بين الأيام الأخيرة من شهر تموز وصولاً إلى نظيرتها في الشهر الذي يليه، لكن الثابت أن العملية التركية الخامسة، فيما لو حدثت، لن تكون مشابهة للأربع اللواتي سبقتها، سواء أكان في طبيعتها أم في النتائج التي يمكن أن تفضي إليها.

Exit mobile version