Site icon صحيفة الوطن

الحل في الحل!

تراجع مقتدى الصدر عن جملة المطالب التي حددها في بيانه في الـ30 من تموز 2022، بـ«تغيير جذري للنظام السياسي والدستور والانتخابات»، ليحصرها بالدعوة إلى «انتخابات برلمانية مبكرة بعد حل البرلمان»، بحسب خطابه المتلفز في الثالث من آب الجاري.

الدعوة لحل المجلس النيابي وإعادة الانتخابات التشريعية، ليست بجديدة، فقد سبق أن جرى تداولها من قبل قوى سياسية عديدة قبل انسحاب النواب الصدريون من المجلس النيابي، كحل للخروج من حالة الانسداد السياسي التي كانت سائدة بعد أن عجز المجلس عن الالتزام بالتوقيتات الدستورية، وفشل أكثر من مرة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

إن حل المجلس النيابي يمكن أن يتم إما بتقديم طلب خطي إلى رئاسته من قبل ثلث أعضاء المجلس، أي من 110 نائباً من أصل 329 عدد نواب المجلس النيابي، أو بطلب من رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية عليه، والتصويت بموافقة أغلبية أعضاء المجلس، والخيار الثاني مستبعد لكون الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال لم يقرها مجلس النواب الحالي، وبالتالي لا هي ولا رئيس الجمهورية الحالي يحق لهما تقديم الطلب المشترك.

الدعوة لانتخابات مبكرة، بحسب مطلب الصدر، يتطلب قبلاً، أن يقوم المجلس النيابي بـ:

– تعديل قانون الانتخابات الحالي وفقاً لقرارات المحكمة الاتحادية التي سبق أن نقضت أربع مواد فيه بعد إجراء الانتخابات في الـ10 من تشرين الأول 2021، ما يعني إقرار قانون انتخابي جديد.

– إعادة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات التي شكك البعض بمهنيتها ونزاهتها.

– إقرار الميزانية المالية الخاصة بهذه الانتخابات، ما يتطلب إقرار الموازنة المالية العامة للعراق التي لم تقر حتى الآن، لكون الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال لا يحق لها تقديم أي مشروع للموازنة.

– الاتفاق على طريقة فرز الأصوات في الانتخابات إن كانت ستتم إلكترونياً أم يدوياً، أو بالطريقتين معاً، وخاصة أنها كانت السبب الرئيس في الاعتراضات الكثيرة على النتائج التي رافقت عملية فرز الأصوات في العملية الانتخابية السابقة.

– معالجة الخلل الذي ظهر في استخدام البطاقات الانتخابية البايومترية، والمشاكل اللوجستية الأخرى التي حالت دون انتخاب أعداد مهمة من المواطنين في هذه الدائرة الانتخابية أو تلك.

عدا عن أهمية مراجعة وتثبيت تفسيرات المحكمة الاتحادية، بشأن الكتلة النيابية الأكبر، والنصاب اللازم لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، والإجراءات التي يجب اتخاذها عند خرق التوقيتات الدستورية، التي كانت هناك خلافات شديدة بشأنها.

التيار الصدري جزء أساس من النظام السياسي الحالي وأحد أبرز أركانه، وهو كباقي القوى السياسية الأخرى يتحمل كامل المسؤولية عن كل ما وصل إليه العراق من إخفاق وفساد، وشبه انعدام لكل الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن العراقي، ومن غير المعقول أو المقبول أن يرمي الصدر بكل ذلك على شركائه في العملية السياسية، مع أنه قال في كلمته المتلفزة: «أنا على يقين أن أغلب الشعب سئم الطبقة الحاكمة برمتها بما فيها بعض المنتمين للتيار، ولذلك استغلوا وجودي لإنهاء الفساد»!

نعم، هناك خلل في السياقات الدستورية، ولكن الخلل الأكبر في نمط تفكير القوى السياسية، فإعلان مقتدى الصدر بأن على الثوار والمعتصمين «البقاء والاستمرار على اعتصامهم لحين تحقيق المطالب»، وأنه «لا فائدة تُرتجى من ذلك الحوار»، بحسب خطابه المتلفز لا معنى له، فالتظاهرات والاحتجاجات والاستعراضات الجماهيرية، لن تحسم الصراع، كما أن الانفراد بالرأي والاستعلاء وعدم الواقعية والشروط التعجيزية وتصفية الحسابات الشخصية ستزيد من حالة الاحتقان، وستدفع حتماً باتجاه تأجيج الشارع أكثر فأكثر، وستسبب في المزيد من الخلافات والاختناقات الاقتصادية والخروقات الأمنية والفوضى، وهو أمر ليس في وسع كل القوى السياسية تقبله أو تحمله.

تعطيل أعمال المجلس النيابي، بالاعتصام، ورفض مرشح الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني المعروف بعقلانيته واعتداله وهدوئه، لمصلحة الإبقاء على مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء للمرحلة القادمة، غير مبرر، وهو لن يؤدي إلى نتيجة مفيدة، فحل المجلس النيابي يتطلب أساساً، أن تذهب القوى السياسية إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس للوزراء لتشكيل حكومة انتقالية، مهمتها إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتأمين كامل مستلزمات العملية الانتخابية المالية والإدارية لها، على أن يقوم المجلس النيابي بباقي المطلوب منه، كإقرار قانون جديد للانتخابات، واختيار مفوضية جديدة مستقلة لإجراء الانتخابات، ومن ثم تحديد تاريخ محدد للتصويت على حله نفسه لإجراء الانتخابات المبكرة، فمن حيث المبدأ لا يمكن أن يتم أي شيء إلا في ظل رئيس جديد للجمهورية ورئيس حكومة له كامل الصلاحيات كي تجري الانتخابات النيابية المطلوبة.

وفي ظل ما يجري، نعم، حل المجلس النيابي هو الحل الأفضل للجميع.

Exit mobile version