Site icon صحيفة الوطن

الجزاء هو حل المجلس

بعد خمسٍ من الجلسات والتأجيلات خلال شهر آب الماضي ومطلع أيلول الحالي، ردت المحكمة الاتحادية العليا العراقية في الـ7 من أيلول الجاري، الدعوى المقدمة من أمين عام الكتلة الصدرية نصار الربيعي، لحل المجلس النيابي، مشيرة إلى أن «اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا محددة، وليس من ضمنها حلّ البرلمان»، مؤكدة أن «دستور جمهورية العراق لعام 2005 لم يغفل عن تنظيم أحكام حلّ البرلمان، ولذلك فلا مجال لتطبيق نظرية الإغفال الدستوري»، وقد «رسم الآلية الدستورية لحلّ مجلس النواب وفقاً لأحكام المادة 64/أولاً منه»، منبهة إلى أن «استقرار العملية السياسية في العراق يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور وعدم تجاوزه، ولا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لأن في ذلك مخالفة للدستور وهدم للعملية السياسية بالكامل وتهديداً لأمن البلد والمواطنين»، وأن «الجزاء الذي يُفرض على مجلس النواب لعدم قيامه بواجباته الدستورية هو حلّ المجلس عند وجود مبرراته».

قرار المحكمة الاتحادية العليا، أرسل رسالة واضحة وصريحة إلى الكتل السياسية ورئاسة المجلس النيابي، بأنهم خالفوا المهل الدستورية، وجزاؤه «حلّ المجلس» وفق المادة 64 من الدستور العراقي، وهو ما يتطابق تماماً مع التوضيحات التي كان قد أصدرها المجلس الأعلى للقضاء، وهو أعلى سلطة قضائية في العراق في الـ22 من آذار 2022، ورده في الـ14 آب 2022 على الطلب المقدم من مقتدى الصدر بأن «مجلس القضاء الأعلى لا يملك الصلاحية لحل ‏مجلس النواب»، وبأن «آليات حل مجلس النواب مقيدة بنص المادة 64 من الدستور»، وملخصها أن حل المجلس النيابي يمكن أن يتم بخيارين، إما بتقديم طلب خطي إلى رئاسته من ثلث نواب المجلس الـ329 نائباً، أو بطلب من رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية عليه، والتصويت على ذلك بموافقة أغلبية أعضاء المجلس. والخيار الثاني لم يعد ممكناً، لكون الحكومة لتصريف الأعمال ورئيس الجمهورية الحالي لم يخترهما مجلس النواب الحالي، ما يعني أن المجلس هو المعني بحل نفسه.

المحكمة مارست دورها الدستوري بكلّ مهنية وشجاعة، وأصدرت قراراً مسؤولاً موافقاً للدستور والمصلحة العامة، وتوجيهاً صارماً بضرورة تنفيذ الاستحقاقات الدستورية، المتمثلة أساساً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.

القوى السياسية العراقية وبعد قرار المحكمة الاتحادية، يُفترض بها أن تسرع في عقد جلسة نيابية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يكلف رئيس وزراء جديد بتشكيل حكومته، ومن ثم المضي في الوقت ذاته في تعديل قانون الانتخابات الحالي وفقاً لقرارات المحكمة الاتحادية التي سبق أن نقضت أربع مواد فيه بعد انتهاء الانتخابات المبكرة التي جرت في الـ10 من تشرين الأول 2021، وإعادة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إضافة إلى الاتفاق على كل النقاط الخلافية التي برزت خلال الأشهر الماضية، كطريقة فرز الأوراق الانتخابية، وتعريف الكتلة النيابية الأكبر، والنصاب اللازم لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وغيرها، بالتوازي مع تحديد موعدي الانتخابات المقبلة وتاريخ حل المجلس النيابي الحالي.

التيار الصدري خسر جولة أخرى من الصراع ضد خصومه بعد أن رفضت المحكمة الاتحادية اتخاذ قرار حله استناداً إلى الدعوى المقدمة لها من قبله، ولم يعد يبق أمامه سوى انتظار رأي المحكمة في الـ28 من الجاري، بشأن الطعن المقدم من أحد المحامين في صحّة قبول رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، استقالة نواب الكتلة الصدرية الـ73 من المجلس النيابي في الـ12 من حزيران 2022، من دون طرح الاستقالات على التصويت النيابي. وقد قال قياديون من التيار الصدري، إنه لا علاقة للتيار بهذه الدعوى!

حتى الآن ليس من الواضح ما الخطوة التي سيقدم عليها مقتدى الصدر وتياره بعد انتهاء شعائر زيارة أربعينية الأمام الحسين عليه السلام في الـ16 من أيلول الحالي. وإن كان هناك بعض المؤشرات تشير إلى إمكانية خروج تياره بموجة جديدة من الاحتجاجات مع مجموعات من المتظاهرين التشرينين.

قرار المحكمة الاتحادية، وإن بدا أنه لم يأتِ بجديد فإن الجديد فيه هو وضع القوى السياسية والنواب أمام مسؤولياتهم، بألا يكونوا سبباً في تعطيل مصالح الشعب، وتعريض السلم الأهلي ووحدة العراق للخطر، وتذكيرهم بأن «الواقع العام في البلد في تراجع كبير سواء أكان على الصعيد الخدمي أم على صعيد انتشار الفساد المالي والإداري، ما إثر بشكل كبير جداً على ثقة المواطن بمؤسسات الدولة كما أثر بشكل كبير في المستوى المعيشي للشعب» وفق ما أشارت إليه المحكمة الاتحادية العليا بقرارها.

استمرار العناد السياسي، ولغة التخوين والتخويف والتسقيط والترهيب كأسلوب لحل الأزمات السياسية، ليست مدخلاً لا للإصلاح ولا لإنقاذ وطن.

Exit mobile version