Site icon صحيفة الوطن

جناب المدير!!

أحد أصدقائي تسلم منصب مدير عام إحدى المؤسسات الحكومية، فاتصلت معه مباركاً، لكنه أصر على أن أزوره في مكتبه، فهو لا يقبل المباركات عن بعد مع الأشخاص الذين يعتبرهم مقربين منه، فوعدته بزيارة في القريب العاجل.

لكن هذا(القريب العاجل) تأخر كثيراً نظراً لمشاغلي كمتقاعد أتابع مباريات كرة القدم وزوايا الأبراج وأغاني الراب وأفلام عادل إمام وخاصة «الإرهاب والكباب»!

بعد فترة تذكرني صديقي المدير واتصل معي معاتباً، فشرحت له ظروفي فلم يبرر هذا العذر، وسألني أين أنا في تلك اللحظة، فأجبته أنني في البيت كالعادة، فقال: سأرسل لك سائقي الخاص فوراً.

ارتديت كل ملابسي الموجودة على الحبل كي أبدو جديراً بالدخول إلى مكتبه الفخم الذي يذكرني بقصر بكنغهام وساكنته الراحلة الملكة أليزابيت.

ما هي إلا دقائق حتى رن جرس البيت وكان جناب السائق الموقر، وأقول: موقر لأنه كذلك، فهو يرتدي بزة رسمية مع ربطة عنق وكأنه المدير وليس السائق.

المهم ركبت السيارة في المقعد الأمامي إلى جوار السائق بعد جدل عقيم ذلك أن صديقي المدير أوصاه أن يفتح لي باب السيارة الخلفي وأن أجلس في المقعد الخلفي طبعاً لكنني رفضت ذلك بشدة وهددته بأني سأرجع إلى البيت إذا أصر على صعودي إلى المقعد الخلفي.

باختصار، وصلت برعاية اللـه إلى مكتب صديقي المدير، وكنت طوال الطريق أفكر في البنزين المهدور في مؤسسات الدولة على أمور غالباً ما تكون شخصية، كأن يرسل مديراً محترماً سيارته المخصصة له لجلب صديق اشتاق إليه! و.. ترى كم صديق وصديقة يحضرون إلى مؤسسته شهرياً أو يومياً، وما تكلفة نقل هذا العدد من البشر؟!

فور دخولي مكتب المدير استقبلتني سكرتيرة بارعة الجمال بابتسامة نستني أسئلة الطريق وحتى لم أعد أعرف لماذا أنا هنا، ثم طلبت مني الجلوس بانتظار أن يفرغ «سعادة المدير» من أمر ما!.

هنا اشتعل غضبي واستدرت راجعاً وقلت للحسناء: بلغني «سعادة المدير» أنني لا أنتظر أحداً وهو الذي طلبني ولست أنا وليس لي معه أي مصلحة شخصية.

في هذه اللحظة التاريخية خرج «سعادته» ضاحكاً وقال: يا زلمة، لم تتغير أبداً، كنت أمزح معك لأرى ما ردة فعلك!

أجبته: ولن أتغير، ولولا الصداقة القديمة فما كنت أنا هنا الآن.

كل هذه المقدمة والخطبة العصماء كانت للوصول إلى الحديث الذي دار بيني وبينه، وسأقف فقط عن جملة أدهشتني، إذ قال لي بالحرف: لقد رتبت المؤسسة بشكل مذهل في المجالات الإدارية والوظيفية والمالية، وكل شيء بحيث لن يضيف من سيأتي بعدي أي شيء، فقد وضعت الأسس الصلبة والصحيحة للمؤسسة!!

تذكرت مقولة شعبية تقول «الله خلقه وكسر القالب» فهل هذا الشخص الجالس أمامي هو المقصود من تلك المقولة الفلكلورية المتداولة بين الناس؟

من قال إن التطور يتوقف عند هذا الشخص أو ذاك؟ وإن أشخاصاً مهما علا شأنهم سيغيرون مجرى التاريخ؟ و.. الدنيا دولاب..

ملاحظة: كتبت هذه الزاوية على ست مراحل، ولن أقول لكم: إن سبب ذلك الانقطاع المتكرر للكهرباء، كي لا أفشي سراً من أسرار الدولة!.

Exit mobile version