Site icon صحيفة الوطن

الشعور الأميركي بالإحباط وتوسيع النزاعات

في كتابه الشهير واسمه «1984» الصادر عام 1949 يقول الكاتب البريطاني جورج أورويل إن «القوى الاستعمارية الكبرى تتبنى مبدأ يقوم على اتباع سياسة مزدوجة متناقضة في تعاملها مع النزاعات والصراعات وتوليدها بعد الحرب العالمية الثانية»، علماً أنه مات عام 1950، وكان الهدف من كتابه عرض توقعاته واستشرافه لما يمكن لهذه الدول اتباعه من سياسات حتى عام 1984.

نجد حتى الآن أن الولايات المتحدة تستند إلى هذا المبدأ لخدمة مصالحها الإستراتيجية الكبرى البعيدة المدى فهي في المراحل الأولى من تنفيذ مخططها في «الربيع العربي» ظهرت بمظهر «المناهض للإرهاب» وفي الوقت نفسه بمظهر الداعم للدول الحليفة التي كانت تدعمه وتقدم له السلاح والمال علنا، وهذا ما اتبعته مع تركيا بشكل خاص ثم ظهرت بمظهر من يختلف ويتنازع مع تركيا في موضوع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية ـ قسد» وتبنيها أميركياً أمام ظهور تركيا بمظهر المناقض لها والمعلن عن مناهضة وجود «قسد» وتسليحها وتسهيل وجودها وسيطرتها على مناطق في شمال شرق سورية، وهي السياسة الأميركية ذاتها التي تتبعها في نزاع تركيا وقبرص، وفي نزاع تركيا واليونان، ويبقى الجميع حلفاء لها، ومن الطبيعي أن الإدارة الأميركية يمكن أن تتخلى عن هذا المبدأ في سياستها حين تستنفد بعض أهدافها المرحلية منها بنجاح أو حين تفرض القوى المتضررة من هذا النفاق الأميركي شروطها بالقوة وتمنع أضرارها عنها فتنهي حينئذ مسرحية النفاق هذه بالطريقة الحاسمة، وتنهي بذلك جذور الأزمة ومظاهر اللعب الأميركي فيها مع الأطراف الحليفة والصديقة لها وتحول دون العودة لتوظيفها أو توظيف مجموعاتها أو مبرراتها مرة أخرى بحسب المصالح الأميركية القريبة أو البعيدة المدى.

أصبح من الواضح الآن رؤية الولايات المتحدة وهي تفضل الاستمرار في تبني هذا المبدأ في الشرق الأوسط ما دامت توظف له الدول الصديقة والحليفة أو المجموعات المتحالفة معها سراً أو علناً في أكثر من ساحة في الشرق الأوسط ولذلك نراها تقدم الدعم العسكري والمالي بسخاء لأطراف كثيرة في المنطقة وتعمل بشكل مواز لمحاصرة الدول والأطراف المناهضة لعدوانها وهيمنتها وبمنع وصول الأموال والاستثمارات إليها وسد الطرق أمام تطوير قدراتها العسكرية واقتصادها.

ويبدو أن الإحباط الذي بدأت تشعر به الولايات المتحدة والغرب من عجزهما عن تحقيق أهدافهما من الحرب التي تشنها على روسيا، بدأ يدفع بها إلى إشعال نزاعات مسلحة بين بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط، فما يجري في منطقة آسيا الوسطى وبين أذربيجان وأرمينيا، يعد محاولة واضحة لتوسيع ساحات الحرب في مناطق ذات صلة بالمصالح الروسية ومصالح حلفاء روسيا في كل منطقة الشرق الأوسط، ولا أحد يشك أن هذه النزاعات الساخنة التي بدأت تفرضها واشنطن ستحمل معها تطورات تتطلب من قوى محور المقاومة وخاصة إيران، تعزيز دورها في مجابهة هذه السياسة العدوانية الأميركية ووضع كل الحسابات مع الحلفاء في الساحة الدولية لإحباط أهدافها.

كما لا يشك أحد بأن دول وأطراف محور المقاومة تتعرض يومياً لهذه السياسة العدوانية من الحليف الإسرائيلي لواشنطن وتجابهها بكل قدراتها وبأعلى أشكال التعاون الدفاعي والاقتصادي وهي قادرة على القيام بدورها الذي يجمع ويوحد صفوف سورية وإيران والقوى الثورية في لبنان والعراق وفلسطين ضد هذا التوسع الأميركي في أشكال العدوان على المنطقة ومصالح شعوبها، ولا شك أن إطالة زمن هذه الحرب أو تقصيره أو تخفيض حدة مضاعفاتها لتحقيق الانتصار فيها سيفرض على دول وأطراف محور المقاومة جدول عمل تستعد له بكل ما يتطلب من مستلزمات عسكرية واقتصادية وجغرافية.

Exit mobile version