Site icon صحيفة الوطن

«وكأنك يا بو زيد ما غزيت»

على الرغم من أن المحكمة الاتحادية العليا العراقية ردت في الـ7 من أيلول الجاري، الدعوى المقدمة من التيار الصدري لحل المجلس النيابي، مؤكدة أن «آليات حل مجلس النواب مقيدة بنص المادة 64 من الدستور»، بخيارين: إما بتقديم طلب خطي إلى رئاسته من ثلث نواب المجلس الـ329 نائباً، وإما بطلب من رئيس الوزراء وموافقة رئيس الجمهورية عليه، وهو خيار لم يعد ممكناً لأن الحكومة الحالية التي هي لتصريف الأعمال ورئيس الجمهورية الحالي لم يختارهما مجلس النواب الحالي، ما يعني أنه لا يمكن حل المجلس النيابي إلا وفق الخيار الأول حصراً.

وجّه وزير مقتدى الصدر صالح محمد العراقي، في بيان له في الـ8 من أيلول الجاري، دعوة لحليفيه في «تحالف إنقاذ وطن» الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني و«تحالف السيادة» الذي يرأسه محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، لسحب نوابهما من المجلس النيابي، فـ»مجرّد انسحابهم سيفقد البرلمان شرعيته وسيُحلّ مباشرة»! وفق رأي وزير الصدر، و«ليبقى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على رأس حكومة لتصريف الأعمال للإشراف على الانتخابات المبكرة أو بمعونة آخرين عراقيين أو دوليين»!

الدعوة الصدرية لا معنى لها، فبحسب النظام النيابي المعمول به، سيحل محل النواب المستقلين بدلاء آخرون، مثلما جرى التعامل مع نواب كتلته الـ73 حين قدموا استقالاتهم في الـ12 من حزيران 2022، ما يعني أنه مهما بلغ عدد النواب المستقيلين، فإن المجلس النيابي لن يصبح منحلاً من تلقاء نفسه.

آخر أوراق الصدر السياسية التي رماها في ملعب حلفائه في «تحالف إنقاذ وطن»، لم تلق أي ترحيب، فبعد لقاء رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ورئيس «تحالف السيادة» خميس الخنجر، مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني في أربيل في الـ11 من أيلول الجاري، أعلن صراحة أن «الطرفين أكدا أهمية إجراء انتخابات مبكرة بعد تهيئة المتطلبات القانونية ومستلزماتها وفق الآليات الدستورية، يسبقها تشكيل حكومة تتمتع بكامل الصلاحية وتحظى بثقة واطمئنان الجميع ببرنامج حكومي متفق عليه، مع التأكيد ضرورة استمرار مجلس النواب بعمله لحين موعد الانتخابات».

وفي الحقيقة أن هذا الموقف ليس بجديد، إنما الجديد هو الإعلان عنه بشكل واضح وصريح في بيان رسمي.

دعوة الصدر للإبقاء على رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي في منصبيهما للإشراف على الانتخابات النيابية المبكرة، دونه خلافات ومواقف متضادة من القوى المشاركة في العملية السياسية، فعلى الجانب الكردي، لا يعترض الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني على الإبقاء على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في منصبه، إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني يرفض استمرار برهم صالح في منصب رئاسة الجمهورية.

وبينما لا يمانع «تحالف السيادة» السنّي من أن يشرف رئيسا الجمهورية برهم صالح والوزراء مصطفى الكاظمي على الانتخابات المبكرة المقبلة، ترفض قوى «الإطار التنسيقي» بشكل قاطع استمرار بقاء مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة، ولا تمانع في استمرار برهم صالح في منصبه كرئيس للجمهورية للمواقف المتناغمة مع الاتحاد الوطني الكردستاني، وإن كانت بعض القوى، كتحالف الفتح برئاسة هادي العامري، وتيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم وائتلاف النصر برئاسة حيدر العبادي، لا تمانع في استمرار بقاء صالح والكاظمي في منصبيهما للإشراف على الانتخابات النيابية المقبلة.

مقتدى الصدر فقد زمام المبادرة السياسية والميدانية، وأصبح بلا حلفاء، بعد موقف حليفيه في «تحالف إنقاذ وطن» في رفض دعوته استقالة نوابهما، حيث لا يمكنهما المُضيّ معه حتى النهاية، بسبب علوّ سقف مطالبه وعدم قابليّتها للتنفيذ.

وعلى الرغم من كل ذلك، لا يزال مقتدى الصدر يرفض الحوار مع الإطار التنسيقي، أو استقبال وسطاء لبحْث آلية تشكيل الحكومة الجديدة وفق تصوراته، فالحديث عن وجود نية لزيارة وفد ثلاثي من الحزب الديمقراطي الكردستاني و«تحالف السيادة» ورئيس تحالف الفتح هادي العامري لمقتدى الصدر في النجف لإرجاعه إلى طاولة المفاوضات، لا يبدو دقيقاً رغم تداوله فترة طويلة.

تصريح مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف لدى زيارتها الطويلة للعراق خلال الفترة ما بين 4-8 أيلول الجاري، بأن «زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لديه أصوات وجمهور كبير، وأن صوته مع القيادات الأخرى ضروري ويجب سماعه والإصغاء له»، عُدّ توجيهاً ضمنياً لحلفائها لتمرير بقاء رئيسي الجمهورية برهم صالح والوزراء مصطفى الكاظمي في منصبيهما.

ولما كان قد جدد لرئيس المجلس النيابي محمد الحلبوسي لدورة ثانية فيما مضى، فإن كل الخوف من أن يتحقق المثل القائل: «وكأنك يا بو زيد ما غزيت»، بعد كل الذي جرى على مدى ما يقارب العام.

Exit mobile version