Site icon صحيفة الوطن

رحلة شائقة بين العلم والأدب … د. محمد عامر مارديني: الأدب يخاطب العاطفة والعلم يخاطب العقل

على مدار ساعة من الزمن، جال الدكتور محمد عامر مارديني برحلة شائقة بين العلم والأدب في محاضرة نظمتها جمعية أصدقاء دمشق وقدّمها رئيس مجلسها مازن حمور في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة.

وافتتح كلامه بتعريف الأدب بأنه كلمة تعني ما يرقّي الخلق ويهذب النفس، وذات دلالات متعددة ومختلفة تشتمل العلم والمعرفة والسلوك والعقاب، وقد سُمي حسن الخلق أدباً لأنه أمر قد أجمع عليه وعلى استحسانه.

وفي الوقت نفسه أكد أن أفحش الشعر يعد أدباً أيضاً، واستشهد ببيت شعر يهجي فيه الفرزدق جرير بقوله: «مثل الكلاب تبول فوق أنوفها.. يلحسن قاطرهن بالأسحار»، وأيضاً جرير عندما هجا الفرزدق: «هلك الفرزدق بعدما جدّعته.. ليت الفرزدق عاش قليلا».

الرسم والأدب

وأكد د. مارديني أن بعض الصور تعد فناً حتى لو كانت لوضع مستهجن أو لفعل فاضح، ومثال ذلك لوحة «رمز الحظ» للرسام دوسو دوسي وتعود لعام 1530، مشيراً إلى أن الرسم والأدب يشتركان في مخاطبة المشاعر الإنسانية والتأثير فيها، فالرسام هو أديب يظهر عواطفه من خلال اللوحة، أما الأديب فهو فنان يرسم بالكلمات.

وألمح إلى أن العلم مصطلح أطلق على العلم بالدين، على حين تعريفه الآن هو كل ما ينتجه العقل، فكلمة عالم كانت قديماً تعني العلم والأدب معاً، على حين في العصر الحديث أصبح هناك الأديب وهناك العالم وهناك العالم الأديب.

العاطفة والعقل

وتحدث د. مارديني عن الفرق بين العلم والأدب، قائلاً إنهما مازالا مصطلحين غامضين كمصطلح الجمال والعدل والخيال والحرية، وهناك أشياء معروف أنها علم مثل نظريات الهندسة وقوانين الحساب والطبيعة، أو هي أدب مثل قصائد أبي نواس والمتنبي.

وأضاف: إن الأدب يخاطب العاطفة والعلم يخاطب العقل، فالكلام إن لم يثر عاطفة لم يكن أدباً، فإذا خاطب العقل وحده كان علماً.

وأشار إلى أن العالم يلاحظ الأشياء ويستكشف ظواهرها وقوانينها وعلاقتها بأمثالها وما يحيط بها، على حين لا ينظر الأديب إلى الأشياء إلا من أثرها في عواطفه وعواطف الناس.

وطرح مثالاً عن النظرة إلى المرأة، فالعالم يراها إنساناً خاضعاً لكل أبحاث البيولوجيا، على حين يرى الأديب فيها الحياة والدنيا والنعيم إذا وصلت والبؤس إذا صدت فيقول: «ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت.. وقع السهام ونزعهن أليم».

وأوضح أن الموسيقا تفوق الأدب في العاطفة، فهي قادرة على أن تضحك وتبكي وتؤلم وتثير الشجاعة وتنفث الخمول، وتخاطب العاطفة وجهاً لوجه، على حين يخاطب الأدب العاطفة بوساطة الكلام.

الخلود والأبدية

وشدد د. مارديني على أن النتاج الأدبي خالد أبدي، لأن ارتباط العاطفة بالأدب منحه الخلود، والدليل خلود قصائد امرئ القيس والنابغة وعنترة وجرير والفرزدق، والقطعة الأدبية لا تُمل، تقرؤها ثم تقرؤها فتسر منها في الثانية سرورك منها في الأولى، بل تحفظها ثم تعشق تلاوتها وتكرارها.

وأوضح أن كتاب أقليديس فيه نظريات هندسة خالدة، لكن لا يقرؤه الآن إلا من أراد أن يرجع إلى تاريخ الهندسة ولا تعود له القيمة التاريخية مهما حوى من نظريات، فالكتب العلمية ليست خالدة وإن كانت الحقائق التي فيها خالدة، فطالب العلم لا يرجع إلى ما ألف قديماً إلا إذا أراد أن يؤرخ العلم، لكن طالب الأدب يرجع إلى ديوان المتنبي ليتذوق أدبه كما كان ذلك منذ ألف عام.

تزاوج تاريخي

وكشف د. مارديني إلى أن جذور تزاوج العلم والأدب تمتد إلى التاريخ البعيد مثل: جابر بن حيان وابن سينا اللذان جمعا بين العلوم التجريبية والعلوم الإنسانية بما فيها الأدب.

وبيّن أن إشكالية العلم والأدب كرستها المناهج التعليمية عبر الحديث عن توجه علمي وآخر أدبي، لكن الغرب أدرك الترابط القوي بينهما فأقام كليات متخصصة في العلوم والآداب تدرّسها معاً، فالعالم المتمكن من أسلوبه العلمي يحتاج أسلوباً أدبياً متميزاً وقوياً ليعبّر عن علمه بأسلوب يتميز بالتحليل والمقارنة والفلسفة، والعالم الذي يمتلك معلومات علمية كبيرة ومتنوعة يمكن تطويعها لتخدم النصوص الأدبية الخاصة بالخيال العلمي.

وأكد أن هناك الكثير من أهل العلم ممن تزاوج لديهم العلم والأدب فأثروا الحياة الأدبية بإبداعات بقيت بين جوانح القارئ، منهم تشيخوف ويوسف إدريس وعبد السلام العجيلي وآرثر كونان دويل ووليام سومرست موم، وكذلك بعض المشتغلين بالعلوم العسكرية مثل محمود سامي البارودي ويوسف السباعي.

علاقة أحادية

وخلص د. عامر مارديني إلى أن العقل المنتج للعلم هو ذات العقل المنتج للأدب، ولا يوجد تقسيم مطلق للعلاقة بين العلم والأدب، ويمكن للعلم أن يغوص في أعماق الأدب وهو ما قد يفتقده الأدب، فالكثير من العلماء خاضوا غمار الحقول الأدبية ولكن لم نسمع يوماً بأديب بات عالماً.

وأشار إلى أن العلاقة بين العلم والأدب أحادية، مسارها من العلم نحو الأدب رغم بروز نتاج أدبي تحت مسمى «الخيال العلمي».

وقال إن الزمن له علاقة وطيدة بالعلم والأدب، فالعلم لا يرجع إلى الوراء وهو مستقبلي الوجهة، على حين يمكن للأدب أن يتقمص مختلف الأزمنة، وهو ثلاثي الأبعاد يحضر في الماضي والحاضر والمستقبل، ودليل ذلك الرواية والقصة.

وختم بأن الإنسان وجدان قبل أن يكون جسداً ورغبات، والأدباء والفلاسفة وعلماء الاجتماع والفنانون هم المنوط بهم تغذية هذا الجسد بالوجدان والمشاعر الحالمة لكي يستمتع بحلو الحياة.

الأديب الطبيب

ويشار إلى أن الدكتور محمد عامر مارديني صاحب الدكتوراه في الصيدلة نجح في سلوك طريق التزاوج بين العلم والأدب، فقام بتأليف وإعداد كتابين في رقابة جودة الأدوية، وقام بالتدقيق العلمي لبعض الكتب العلمية في الاختصاص ذاته، ونشر عشرات المقالات العلمية، في وقت نشر ثلاث مجموعات قصصية في الأدب الساخر هي «حموضة معدة، قصص شبه منحرفة، مقصات ناعمة»، إضافة إلى رواية «شهاوى».

Exit mobile version