Site icon صحيفة الوطن

هل يمكن إيقاف التدهور الراهن في الفكر العربي؟

موضوع خطير مازال يدور في كل الأذهان، وهو موضوع التدهور الراهن في الفكر العربي، وهو تدهور واضح نلمسه في قلة ما ينشر اليوم من الأعمال الأدبية ذات القيمة الرفيعة، سواء في المقالة أم الرواية أو القصة القصيرة أو الطويلة أو المسرحية، فالشباب يتهمون الشيوخ أنهم المسؤولون عن ذلك الركود، بأنهم توقفوا عن الإنتاج أولاً، ووقفوا في طريق الشباب ثانياً، وهناك من يلقون التبعة على الظروف التي كانت سائدة.

فهل يمكن إيقاف هذا التدهور من دون الكشف عن أسبابه القريبة والبعيدة في تراثنا الفكري وتاريخنا الثقافي؟ وكيف يمكن شفاء علة بدنية أو اجتماعية قبل التعرف على أسبابها؟ إن إغفال الأسباب يجعل العلاج صعباً بل مستحيلاً لأنه يخرجنا من الإطار الصحيح لتناول هذه المشكلة المزمنة، بل إن فترات النهضة التي ظهر فيها (طه حسين، العقاد، علي عبد الرزاق، سلامة موسى، وأحمد أمين) وغيرهم تردنا إلى أصل المشكلة لنتساءل:

كيف أتيح لهؤلاء أن يظهروا بهاماتهم العالية وقاماتهم المنتصبة؟ هل كانت مجرد عبقرية فردية دفعت بكل واحد فيهم إلى موقفه الشاهق في حياتنا الفكرية والثقافية؟ أم هناك ظروف أخرى أنضجت هذه العبقريات وأتاحت لها جميعاً أن تبدع وتتألق؟ فأين نحن اليوم من هؤلاء؟ هل انعدمت العبقريات بيننا؟ لا أظن ذلك طبعاً، فقد برزت كثير من الأسماء وشهدت الحياة الفكرية والثقافية ازدهاراً عظيماً فأبدع توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، ويوسف إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي، والفريد جورج، ورشاد رشدي وقدموا أعظم أعمالهم، كانت أعمالهم محاولة لتأصيل فنون القصة والمسرحية في أدبنا العربي الحديث، وواكب هذا الازدهار، حركة نقدية نشطة كان على رأسها (مندور، ولويس عوض، ورشاد رشدي) تحاول من زوايا مختلفة أن تؤمن لمدارس النقد الغربي وتواصل ما بدأه جيل طه حسين.

وهكذا يتضح لنا أن رواد النهضة الفكرية كانوا سبباً ونتيجة، فتوافر مناخ الحرية لا يكفي وحده إذا لم يلتزم حَمَلَة الأقلام بأمانة الكلمة وسلامة السلوك وبالثقة بالله وبالنفس حتى يمارسوا الحرية حقاً، ويتصدوا لكل الأفكار المتخلفة والمنحلة في آن واحد، لأن حرية الإنسان لا تنفصل عن حرية التفكير والتعبير بكل صورها، وإعلاء سيادة العقل هو أعظم تعبير عن كرامة الإنسان وسيادته.

وأخيراً لابدّ من الإشارة إلى أن هناك فكراً صحيحاً وفكراً خاطئاً، وعلينا أن نكفّ عن تعاطي هذا الفكر الخاطئ سواء أكان نابعاً منّا أو قادماً من الغرب أو الشرق، لأن هذا الفكر الخاطئ هو المسؤول عن تدهورنا، ولكي نتخطى هذه المرحلة لابدّ لنا من اعتماد العلم وطرقه العلمية لاختيار الأفكار وفرزها.

Exit mobile version