Site icon صحيفة الوطن

أضغاث أحلام

لم يكن صمت النظام التركي شبه المطبق، منذ الأحداث الأخيرة التي شهدتها مناطق ريف حلب الشمالي في عفرين وإعزاز وهجوم متزعم تنظيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني على مناطق سيطرة ميليشيات «الجبهة الشامية» و«جيش الإسلام»، المنضوية في ميليشيات «الجيش الوطني» التابعين للنظام التركي، سوى موقف شديد الوضوح في باطنه، كما هو شديد الإبهام في ظاهره، وما عجز النظام التركي عن قوله جهاراً وعلانية، أقدم على فعله الجولاني بشكل شبه صريح، بالإفصاح عن نياته بإقامة «دولة» في الشمال، ليسير متزعم «النصرة» وفق سياسة «خطوة خطوة»: سيطرة على الشمال، إفصاح عن نيات، ومن ثم التنفيذ، وهذا كله لم ولن يكون لولا موافقة رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان على جميع تلك الأفعال لحسابات سيتم ذكرها تالياً.

تمدد الجولاني في مناطق شمال حلب الخاضعة لسيطرة الميليشيات التابعة لتركيا، لم يكن لمجرد أنها باتت تشكل خطراً على المناطق التي يسيطر عليها في إدلب، وبأنها باتت مقراً وممراً لمسلحي تنظيم داعش الإرهابي ومسلحي ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية -قسد»، كما ادعت «النصرة»، بل هو تنفيذ لمخطط عمل عليه كل من أردوغان والجولاني معاً، وجاء دخول «النصرة» إلى عفرين بأمر من الاستخبارات التركية، حيث تشهد تلك المناطق حالة من الاقتتال شبه الدائم بين الميليشيات التابعة لأنقرة، الأمر الذي أزعج أنقرة، وشكل ذاك الوضع حجر عثرة في وجه مشروعها الهادف إلى إعادة اللاجئين السوريين من تركيا إلى الشمال السوري، كما أن تأكيد الجولاني أكثر من مرة، وآخرها خلال اللقاء مع وجهاء في مدينة إدلب في تموز الماضي، أنه «لا يجب الاستسلام لفكرة البقاء في منطقة واحدة، حتى لو واجهنا كل دول العالم وكل مشاريع العالم»، تؤكد الأهداف المبيتة لعملية تمدد «النصرة» شمالاً.

الجولاني لم يخف نياته، كما فعل النظام التركي بصمته، بل دائماً ما يتحدث في لقاءاته على ما يسمى «أهمية بناء الدولة»، وكان في ذلك صريحاً جداً في كلمة ألقاها خلال استضافته الجلسة العاشرة لما يسمّى «مجلس الشورى العام»، حين أكد أن همه هو توحيد المناطق التي يحتلها النظام التركي ويسميها «درع الفرات» و«غصن الزيتون» وإدلب.

مسوغات قيام الجولاني بالإقدام على إعلان «دولة» في إدلب كثيرة، أولها ازدياد الضغوط الاقتصادية، عليه في مناطق إدلب، خاصة مع الضغط السكاني، وقلة الموارد الاقتصادية، لذلك فإنه يرى أن التوسع في عفرين وإعزاز، سوف يؤمن له المزيد من الموارد، سواء الزراعية والصناعية، ويمكنه من التواصل المباشر عبر منافذ غير شرعية مع تركيا، وثانياً قيام «دولة» مزعومة، وإن تمت فإن الأمر سيكون بعد اتفاق ودمج بقية الميليشيات الموجودة في مناطق سيطرة الاحتلال التركي، في مكون واحد، يمكن الجولاني من خلع عباءة «الإرهاب» والظهور بمظهر المعتدل، القادر على التعامل مع دول وكيانات خارجية بشكل مباشر، وصولاً إلى تحوله إلى أمر واقع في أي حل مستقبلي للوضع في سورية، وبالطبع هذا كله لا يمكن الحدوث من دون موافقة أو التنسيق مع النظام التركي، الذي يرى أن حدوث ذلك سيكون الحل الأمثل له لنقل جميع اللاجئين السوريين من أراضيه، بما يمكنه من كسب النقاط على خصومه في الداخل والبقاء لسنوات وسنوات في سدة الحكم في تركيا.

وإذا كان حال الأمور في إدلب بيد النظام التركي، يبقى السؤال، هل هي قادرة على السير في مخطط الجولاني، في إقامة «دولة» في إدلب، أم إن لذلك حسابات أخرى ترتبط بعلاقاتها مع روسيا، ومصالحها في مناطق أخرى، مثل أوكرانيا، أو حتى في الشمال الشرقي من سورية؟

إذا كان الحديث عما سمّاه الجولاني «دولة» فإن الواقع والتنفيذ أصعب بكثير مما يتوهم متزعمو الإرهاب في إدلب، وخاصة أنه بعيداً عن جميع الحسابات الدولية والإقليمية، الموافقة والمعارضة، فإن موقف سورية قيادة وجيشاً وشعباً، واضح جداً بأن مخططات تقسيم الأرض السورية، يبقى مجرد ضرب من الخيال، وأن وحدة وسيادة واستقلال الجمهورية العربية السورية، أمر لا يحتمل النقاش، أو المفاوضات، ليبقى كلام الجولاني أضغاث أحلام، وسرعان ما تتحول إلى كابوس، وبداية النهاية لوجوده على التراب السوري.

Exit mobile version