Site icon صحيفة الوطن

المعاناة السوريّة على شكلها العام تملك شيئاً خاصّاً لكلّ منّا…برهم عوض لـ«الوطن»: رُسمت الأيقونة في دمشق وانطلقت منها إلى أنحاء العالم

عامر فؤاد عامر

تروي معارضه الحكاية، فلوحاته متصلة بعضها مع بعضٍ لدرجة التشابه، لكنها تحمل البداية والنتيجة، وله تجربة طويلة مميزة مع الأيقونة التي حملت توقيعه عالمياً، وخطه الفني يحمل الهمّ الإنساني، فلا يكترث للون بقدر اكتراثه للإحساس الحقيقي، المرتبط بالشخص، وكيفيّة إيصاله؛ بتوثيق تشكيلي صادق، له عدد كبير من التكريمات، داخل وخارج سورية، وهو خريج كلية الفنون الجميلة في دمشق، ويبقى له عناية خاصّة في التعامل مع الريشة، واللوحة، واللون. الفنان التشكيلي «برهم عوض» في حوارٍ لـ«الوطن»، ولقطات مميزة من مسيرته الفنيّة.

400 لوحة مفقودة
فقدت 400 لوحة تخصّك، في فترة بداية الأزمة السوريّة، فكيف تمّ ذلك؟ كان هذا هو سؤالنا الأول للفنان التشكيلي «برهم عوض»، الذي روى لنا القصّة المؤلمة باختصار: «هي ورشة قائمة بحدّ ذاتها، تتألف من مرسمي ومكان مخصص لصناعة التحف الفنيّة وقطع الموزاييك والحفر على الخشب وغيرها، وكانت هذه الورشة قائمة بالقرب من طريق المطار، وضمن حدود مدينة جرمانا، ومع بداية الأزمة عام 2011 مُنعت من الذهاب إلى المنطقة، كما مُنع الكثير من الناس بسبب تردي الأوضاع الأمنية حينها، ولكن جاء ذلك مفاجئاً فلم أتمكن من نقل أي قطعة أو لوحة، ومرّت الأشهر وبعد تأمين المنطقة والسماح لنا بالعودة إليها كانت النتيجة أن خسرت المرسم الذي وجدت قسماً منه محروقاً، واللوحات لم أجد منها شيئاً، والتي هي نتاج 11 عاماً من العمر، والتعب، والوقت، والإبداع، ومن بينها 200 عمل للكنائس، ومنها أيقونات مقبوضة الثمن، وهذه هي القصة بالمختصر».

لوحة جداريّة للأوبرا
للفنان التشكيلي «برهم عوض» مشاركة مميزة في شهر شباط من هذا العام 2015 في دار الأوبرا السوريّة من خلال معرض (أبعاد إنسانية) ولوحة جدارية كبيرة ما زالت معلقة في مدخل الدار، وعن هذه المشاركة يقول: «قدمت لوحة جدارية لدار الأوبرا، أثناء معرضي «أبعاد إنسانية»، وهي اقتراح من مدير الدار (جوان قره جولي) بأن يكون هناك عمل مباشر، يتمّ بجميع مراحل إنشائه أمام الجمهور، تماثلاً مع ما تقوم به دور الأوبرا العالميّة، فوافقت على الفكرة، واخترت عملاً يجسّد الواقع الذي نعيشه، أي الأزمة السوريّة التي نعيشها، فكانت اللوحة الجداريّة، وقدّمتها كهدية للدار، وبقيتُ في إنجازها شهراً كاملاً تقريباً، وبعملٍ يومي يبدأ من ساعات الصباح الأولى وحتى ساعات المساء، في بهو الدار، وهي بوزن 400 كيلو غرام، وبطول 4 أمتار ونصف المتر وعرض 2 متر ونصف المتر، صنعتها من قماش الأكريليك، وبعض الأنواع التي اخترتها للتلوين».

المعارض وأبعاد إنسانية
تتميز معارض الفنان «برهم عوض» بأن لكل منها موضوعاً، وفكرة، ورغبة في وصلٍ بين المتلقي، وما يقدمه، ويتضح هذا الشرح من كلامه: «في آخر معرض فني لي «أبعاد إنسانية» المؤلف من 18 لوحة تحدّثت عن الرجل والمرأة، وفي منتصف المعرض وضعت لوحة تتحدث عن سورية، وما تتعرض له من هجمات شرسة، أمّا في بداية المعرض فاللوحة لباب شرقي الدمشقي، دلالة على بداية الحياة المرتبطة بمدينة دمشق، فهي المكان الأقدم عالميّاً المأهول بالسكان، فمنها انطلقت الحضارة الإنسانية وإليها ستعود، وقد بدأت الفكرة عام 2008 عندما توفي والدي في المشفى، فولدت لوحة ذات قيمة كبيرة أسميتها «وجهي كما وجه أبي»، في، عام 2011 تكاملت الفكرة لدي لتقديم معرض فني يروي حكاية الوجوه في لوحات متكاملة مع بعضها في القصّة، فالبورتريه لدي يجسّد معاناة تظهر على معالم الشخصيّة، أتوقع بأنّه من مهمتي إيصال هذه المعاناة عبر رسومي، وأشعر بأن ما مرّ بنا كسوريين من واجبي أن أقدّمه في لوحاتي، وعبر حكاية اللوحات المتكاملة، والتي تقدّم نفسها ربما في معرض، أو في قصّة فنيّة معروضة. والمعاناة في شكلها العام هي تملك شيئاً خاصّاً لكلّ منّا، وهذا ما أسعى لوصفه فيما أختار من وجوه وألوان وخطوط».

خصوصيّة
اللحظة التي أرسم فيها لا أتقيد فيها بشيء، وما يهمني إيصال الفكرة ولا اللون يهمني ولا التقنية، وما يهمني النظرة التي التمسها من شخص مثلاً، والفكرة هي في كيفية توصيل الشعور الحقيقي وتوثيق هذا الشعور بصدق وخصوصيّة.

في سن 11 كانت البداية
في معرض فني مشترك وهو بعمر الحادية عشرة كانت التجربة الأولى لعرض رسوماته، ولكنه بتفوقه تمّ استدعاؤه لمعرض جديد بلوحاته فقط في العام التالي، وعن هذه البداية يتحدث «برهم»: «كنت في الصف الخامس الابتدائي وأقمت معرضي الفني على مسرح نقابة العمال، وعمري 11 عاماً، وقد رعتني في خطواتي الأولى معلمتي «ناريمان»، وبناء على هذا المعرض الذي اشترك فيه هواة رسم كبار اثنين، ولكن في العام التالي قدّمت معرضي الخاصّ وحدي، وقد كنت أرسم كثيراً، ورعتني الآنسة وقدمت لي الألوان والوقت والمكان في المدرسة، والتي كانت حتى في الصيف تفتح لأدخل وأمضي وقتي في الرسم، وكان هناك أن قدمت لوحة وعمري 12 عاماً عن صورة للراحل «حافظ الأسد» كما أراه أنا، وهكذا بقيت أرسم، وأتدرب، وأحفر على الخشب، وتأطير الصور، وتعتيق اللوحات، والتماثيل الصغيرة وصناعتها، وغيرها من الأشكال إلى أن دخلت كليّة الفنون الجميلة، وتلقيت دروس الفن أكاديميّاً، فيها وانطلقت في العمل والرسم والاحتراف».

مع الأيقونة السوريّة
يمضي الفنان «برهم عوض» في رسم لوحاتٍ للكنائس، وصناعة الأيقونة السوريّة وقتاً طويلاً، كما أنه قضى من عمره 30 عاماً، في هذا المجال، ويقول لنا عن تجربته: «أشعر بفرحٍ أثناء رسم الأيقونة، على الرغم من أن مردودها المادي قليل جداً، لكن اندماجي في رسم الأيقونة يمتعني كثيراً، ومع رسم الأيقونة لا أدرك الوقت ولا أشعر به، وأودّ أن أذكر أن أول أيقونة مرسومة في دمشق قدّمها «مار بولس» هنا، فقد رسمها في مغارة كان يعيش فيها وهي بالقرب من باب كيسان، فهو من أوائل من رسم الأيقونة في العالم، ليصدرها من دمشق إلى كلّ أنحاء العالم، عالميّة فلدينا أيقونات بعمر 800 عام في دير «مارموسى الحبشي» وفي دير «مار إلياس» في معرة صيدنايا، وما يميز الأيقونة السوريّة هي أنها تُرسم على أساس أبيض مُشع، في حين الأيقونة قبلها كانت ترسم على أساس أسود من الزفت، ما يؤدي لمحوها بعد مرور عدد قليل من السنوات، على حين الأيقونة السوريّة التي انتشرت عالميّاً تتميّز بلونٍ برّاق، وعمرٍ طويل، ومنها أخذت الأيقونة البيزنطيّة شكّلها، ولدي اليوم أيقونتان من صناعتي في الفاتيكان، و12 أيقونة منتشرة في دول العالم، ولدي أيقونة باسمي للقديسة بربارة، وقد اقتنتها دار العجزة في صيدنايا، ولدي أكبر أيقونة جداريّة في صيدنايا مرسومة على خشب، وهناك أيقونات باسمي في مدنٍ كثيرة في مدن سوريّة مثل نامر وخبب واللاذقية وحماة وغيرها، وفي حريصا في لبنان لي أربع أيقونات».

التكريمات
لـ«برهم عوض» جولة كبيرة من التكريمات داخل وخارج سورية: «كرمتني الكنيسة كثيراً، تصلني من رجال الدين كتب الشكر والتقدير، وفي جانب الرسم أيضاً وأذكر من هذه التكريمات معرض أُقيم في كوريا، قدّمت فيه 5 أعمال، كُّرمت على كل لوحة منها، وكان ذلك عام 1990، واقتنتها الحكومة الكوريّة، إضافة إلى التكريمات في سورية».

الجديد القادم
لدى سؤالنا عن الجديد الذي يحضّره الفنان برهم عوض أجابنا: «أحضر اليوم إلى الجزء الثاني من معرض «أبعاد إنسانية»، وهناك تحضير لمعرض سأسميه «راقصات الباليه»، وهو يخصّ ابنتي التي ترقص الباليه، وأنا أتحين وقتاً مناسباً لتقديم هذين المعرضين».

Exit mobile version