Site icon صحيفة الوطن

«قسد» وتحالفها مع الولايات المتحدة

تكثّف الحراك على مستوى الاتصالات التي تجري مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» من مختلف الأطراف المنخرطة في الحرب السورية، وباتت هذه الميليشيات متلقياً لمبادرات على طرفي نقيض، فمن جهة هناك تسريبات بين فترةٍ وأخرى، بعضها يتم نفيه وبعضها لا، عن استئنافٍ للاتصالات بين «قسد» والدولة السورية على قاعدة التلويح التركي باجتياح مناطق وجود الميليشيات الكردية الانفصالية في غرب الفرات وتحديداً بعض مدن ريف حلب، وهناك الوساطة الروسية بين أنقرة وموسكو على قاعدة دخول الدولة السورية إلى منبج وعين العرب وتل رفعت، والإبقاء فقط على قوات الأسايش الكردية داخل هذه المدن بشرط انضوائها تحت راية الدولة السورية.

وهناك مسارٌ موازٍ أطلقه الأميركيون على قاعدة تحقيق تقارب بين أنقرة وميليشيات «قسد»، أيضاً يركز في جزئيةٍ منه على تغيير بنية هذه الميليشيات التي تسيطر عليها ما تسمى «وحدات الحماية الكردية» وخاصةً في الرقة وبعض مناطق دير الزور، وتغليب المكوّن العربي عليها، وهذا يعني خسارة أكثر من نصف مناطق النفوذ الكردي، فضلاً عن منح الورقة الاقتصادية لشمال شرق سورية وشمال غربها لأنقرة.

من نافل القول إن الصراع على سورية وفيها، هو جزء من صراعٍ على تركيا ودورها، وهذا محور تحرّك روسيا والولايات المتّحدة تجاه تركيا، وهذا ما يدركه جيداً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكن ماذا عن «قسد» ومحاولات استمالتها، وهل تتخلى الميليشيات عن تحالفها مع أميركا؟

على الرغم من الاتصالات التي تجريها «قسد» مع الدولة السورية، وعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً من مناطق انتشارها مطوّق بانتشار الجيش العربي السوري والحليف الروسي، وعلى الرغم من العلاقة الملتبسة بين «قسد» والدولة السورية في العديد من الجوانب التي تثير تساؤلات لدى المراقبين، إلا أن العوامل التي تدفع «قسد» باتجاه عدم التخلي عن أميركا، إلا في حال تخلّت الأخيرة عنهم وبشكلٍ علنيّ وصارخ، هي:

-أولاً، يقين القيادات المؤثرة في «قسد» بأن الولايات المتّحدة في عهد الرئيس جو بايدن لن تنسحب من سورية، فالاحتلال باقٍ ويحتفظ بدعمٍ واسع النطاق من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس ومؤسسة السياسة الخارجية ومؤسسة الأمن القومي، وهذا الدعم والتماسك الأميركي بالنسبة للملف السوري مردّه إلى ثلاثة عوامل حيوية في نظر صانع القرار الأميركي، تجعل من الوجود الأميركي في سورية أمراً مركزياً:

• العامل الأول، السيطرة على مناطق النفط والغاز والثروات الزراعية الإستراتيجية، وذلك لترجح كفة الخيار البديل من الضغط العسكري الذي اعتمدته أذرع واشنطن في السنوات السبع الأولى من الحرب على سورية، أي الدفع باتجاه تركيز الضغط الاقتصادي على الدولة السورية ورأيها العام.

• العامل الثاني، لا يمكن النظر إلى الاحتلال الأميركي لأجزاء من سورية من دون ربط الجبهة السورية بالجبهة العراقية، فالامتداد الحيوي الذي توفره سورية للاحتلال في العراق أمرٌ في غاية الأهمية، وما يسري على أيّ فكرة انسحابٍ أميركيّ من العراق وانعكاسه الأوتوماتيكي على الاحتلال الأميركي في سورية على مبدأ ترابط الجبهتين يسري في الاتجاه المعاكس، أي إن الانسحاب من سورية سيؤثر مباشرةً على العراق وإن كان بدرجةٍ أقل نسبياً.

• العامل الثالث، تأمين مصالح إسرائيل، فالتغطية والعمق والمعلومات التي يوفرها الاحتلال الأميركي لسورية، تعد أحد أهم العوامل التي تمنح تل أبيب القدرة على الاستمرار في سياسة «معركة بين حروب»، وعليه فإن بقاء الاحتلال الأميركي، يطمئن «قسد» ويجعلها تقبل أيّ دور يمنحه لها الأميركيون.

– ثانياً، ما يسري على النفط والغاز والثروات الزراعية والحيوانية في الجزيرة السورية بالنسبة للأميركيين، يسري هو الآخر على ذراعهم في المنطقة وقوتهم الرئيسية على الأرض فيها، أي «وحدات حماية الشعب» الكردية ومؤسسات «مجلس سورية الديمقراطية – مسد» والأحزاب المرتبطة بها، فنحن أمام قياداتٍ كردية مرتبطة بـ«حزب العمال الكردستاني» الذي يرى في الثروة السورية وهذه المنطقة الأغنى في مناطق انتشاره أو نطاقات عمله الميداني والشعبي، خزان تمويل يسهم في عملية تثبيت نفوذه وسيطرته، لذلك فالتخلي عن هذه المناطق لا يمكن أن يكون أمراً بالبساطة التي يتخيلها البعض.

-ثالثاً، المعلومات الواردة من المطّلعين على هيكلية الجسم الحاكم لـ«قسد» تعترف بوجود انقسامات في بنية القيادات، بين سوريين أكراد هم الأكثر مرونة، وبين أتراك أكراد قاعدتهم بجبال قنديل، وهم الصقور المعارضون لأيّ تقارب مع موسكو ودمشق، وهم الحاكمون الفعليون لـ«قسد»، وبالتالي فإن إشارات حسن النية أو المرونة أو اختصار «قسد» ببعض القيادات السورية لا يعني الكثير في موازين القوة الحقيقية.

– رابعاً، التجربة التي عايشناها خلال السنوات الماضية فيما يخص العملية التفاوضية التي قادها الكرد مع دمشق وموسكو غير مبشرة، ففي كلّ مرة يجري الحديث فيها عن تقارب، تبرز العقبة الكردية بـ«الحكم الذاتي» لتنسف كل شيء، هذه العقبة مردّها إلى القرار الأميركي بمنع التقارب، لأن «قسد» لا تعدو عن كونها أداةً بيد واشنطن تحركها كيفما شاءت، ما يرجّح على الدوام كفة المبادرات الأميركية على كفة أيّ مبادرةٍ أخرى بالنسبة للأكراد حتى لو أدّت إلى خسارتهم بعض مناطق وجودهم ونفوذهم في الشمال السوري، فمن قبِل التخلي عن «عفرين» كرمى لرغبات واشنطن، مع ما تحمله من رمزيةٍ كبيرةٍ في الوجدان «الكردي» والمظلومية التي يجري العمل عليها لنسج القضية الكردية، يتخلى عن أيّ منطقة أخرى طالما أن واشنطن تستمر في إرسال طمأنات لاستمرار تحالفها مع ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» واستمرار احتلالها للجزيرة السورية.

Exit mobile version