«لا يمكنكَ أن تعطي مثالاً عن المصطلح قبل أن تقومَ بتعريفهِ»، عبارة قالتها يوماً أستاذة في القانون المدني خلال امتحانٍ شفوي أيام الدراسة، الحسناء الفرنسية التي اختصرت بجمالِ عينيها هرميةَ دساتير الجاذبية وتفوقها على كل القواعد القانونية والاتفاقات الدولية بما فيها اتفاقيات «عدم الإعجاب» بأبناء الرأسمالية المتوحشة، أعطتني درساً بمعنى التحديد، عدم الهروب من المأزق بالتعميم لأن التعريف الدقيق سينتج عنهُ المثال المناسب أما المثال العشوائي فقد يحتوي على ثغراتٍ لا تُناسب المصطلح فيسقطا معاً.
في الحياة تصادفنا الكثير من المصطلحاتِ التي تبدو ظاهرياً تأخذنا إلى الاتجاه ذاته، لكن بالتدقيق سنبدو فعلياً أمام تضارب نتائجه السيئة، لن تكون هناك مشكلة عندما يكون هذا التضارب أكاديمياً مثلاً لا يهمنا الصراع حول «اقتصاد السوق» أو «اقتصاد السوق الاجتماعي»، بالنهاية ما يهم المواطن أن يكون ضمن سياق نظام اقتصادي واجتماعي يضمن حقوقه بالحد الأدنى، لكن هذهِ المعادلة لا تبدو كذلك عندما يتعلق هذا التضارب بكرامةِ الإنسان، هنا علينا فعلياً أن نكونَ دقيقين بالتعاطي، لأن أي تجاهلٍ لتضارب المصطلحات وتعويمها على جميع الحالات هو انتهاك لخصوصياتِ الناس، من بين ذلك عدم التمييز مثلاً بين المجرم والمخطئ، أو المجرم والمشتبه فيه!
هنا نبدو فعلياً وكأننا في صراع للمصطلحات الأكاديمية، فالمجرم قانوناً هو الشخص الذي نسب إليه ارتكاب الجريمة بموجب حكم قضائي لا يقبل الطعن، على هذا الأساس وعدا ما سبق لا يمكن اعتبار الموقوف مجرماً ولا يمكن معاملتهُ معاملةَ المجرمين، أما لو ذهبنا إلى تعريفِ الجريمة فإن أبسط تعريفٍ لها بأنها عمل غير مشروع ناتج عن إرادة جنائية، الإرادة والميول هنا هي جوهر الحدَث، هل يمكن لنا اعتبار مواطن يقود سيارته بحالته الطبيعية ضمن شارعٍ عام فيدهس طفلاً من دون قصد مجرماً؟ تحديداً عندما يعترف بما فعلهُ ويقوم بتسليم نفسهِ هو ومن كان معه في سيارته؟ هنا ينتفي الجذع الأهم من الحادثة أي امتلاك الإرادة الجنائية وقس على ذلك الكثير من الأمثلة لكن ما مناسبة هذا الكلام؟
دائما بعض الرتوش في هذه الحياة تجعل الحياة أفضل رغم البؤس الذي يعيشه المواطن السوري حالياً، هذه الرتوش تتعلق تحديداً بالتخلص من إرثٍ كبير من الأخطاء التي تتعلق بتوصيفات المجرمين والجرائم والمخطئين ونوعية الخطأ، هذه التفاصيل باتت فعلياً بحاجة للكثير من الاهتمام وعدم تركها بيد جاهلٍ يدير صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها نشرَ صور الموقوفين أو المخطئين ومعاملتهم بالطريقة ذاتها والأسلوب ذاته التي تتم فيها معاملة مجرمٍ قتلَ والده وقطعه عن سبقِ إصرارٍ، ولعل ما يدفعنا للكتابة عن هذا الموضوع التماسنا لسعي جاد نحو تعديل الكثير من التجاوزات، لكن لنعترف بأن الطريق مازال طويلاً ولنتذكر بأننا لحدِّ الآن لم نتخلص من توقيفِ المواطن بدعوى مساءَ الخميس وتركهِ حتى الأحد فقط من أجل كيد خصمه.
مادامت هناك نية للتغيير لنتشارك جميعاً الأفكار التي نسعى لكي تكون جوهر هذا التغيير، أليسَ طرح الأفكار صورة عن الإيمان بأن الأمل والعمل جناحان ننتظر أن يحلِّقا بالوطن؟!