Site icon صحيفة الوطن

المدير إزاء «شكوى كيديــة»؟

أنت برأس هرم الإدارة؛ وجاءتك دعاوى كثيرة ضد أحد الموظفين؟ كيف يكون تعـاملك بهذه الحالــة؟ سنناقش القضيـة

هـو واقع مؤلم تعيشه أغلب بيئات العمل، فحسب نتائج دراسة «National Bullying Helpline» في بريطانيا 2015، فقد تبين أن 70 بالمئة من العاملين يعانون من الاعتداءات النفسية في مقرات العمل، أغـلب مصادرها زملاء العمل. وفي دراسة أخرى تبين من نتائجها أن 19 بالمئة من العاملين في أميركا يتعـرضون لاضطرابات نفسية مختلفة بأماكن العمل، وأن أغلبيتهم يعـتبر أنها ناجمة عـن شكاوى كيدية من زملاء العمل/ الرؤساء.

إن لانتشار الشكاوى الكيدية في المنظمات الكثير من الآثار السلبية المتمثلة بتدمير العلاقات الإنسانية وتزعزع الثقة بين الموظف والإدارة والزملاء، ناهيك عن انعدام الحوافز للإنجاز مع استهلاك أوقاتهم في الرد على الشكاوى والتعامل معها، أضف لذلك ما يترتب على عدم التعامل الجاد والصارم من الإدارة لتسرب الكفاءات إلى بيئات عمل أخرى.

العـمل مكان رحب للمؤامرات والدسائس بسبب أن أغلبية الموظفين خليط من نماذج مختلفة، وأي منشأة أو شركة لا تخلو من المكائد، سواء من الرئيس تجاه مرؤوسيه، أو بالعـكس، وتزداد مثل هذه المكائد والدسائس إذا لم يتخذ المسؤول الإجراءات المناسبة لمنع نشوء هذه الأمراض، عـلماً أن هناك مديرين يفتعلون المشاكل «لتطفيش» بعـض الموظفين، وهذا يؤدي لتدني إنتاجية الموظف، ويصبح يعمل بنفس سيئة.

يقضي الموظف معظم وقته في عمله أكثر من قضائه بين أسرته، لذا عليه أن يتكيف مع زملائه بالعمل؛ لتنشأ بينهم الحميمية، وصحيح أن الحياة العملية لا تخلو من الضغوط التي قد تؤثر في الموظف، ولكن يجب عليه أن يكون صاحب صدر رحب، يتحمل جو العمل، ويتحمل زملاءه.

وكشف أحد المسؤولين الحاليين في إحدى المؤسسات أن عدد الشكاوى الكيدية المقدمة يومياً تصل للمئات، ما يعني أننا إزاء ظاهرة تتفشى بين عيّنة مجتمعية غير مسؤولة، لا تحترم وقت الموظفين، ولا المواطنين، ولا تقدر الأواصر الاجتماعية، فالواجب مناقشة الظاهرة ووضع الحلول اللازمة للتصدي للظواهر المعوقة للتنمية والتي تعرقل المشاريع.

ولكن ماذا عـن الشكاوى عـبر التاريخ؟ نعود بالزمن قبل ألف وأربعمئة سنة بعهد الخليفة عمر بن الخطاب، الذي قام بتولية المغيرة بن شعبة على البحرين، وكان حازماً وشديد الصرامــة بتعامله هناك، مما دعاهم لرفع شكوى ضده عند الخليفة الذي قام بعزله، ولكن أهل البحرين لم يكتفوا بذلك، وخاف بعضهم أن الخليفة قد يعـدل عن قراره ويعــيد تولية المغيرة من جديد على البحرين. عـندها قرروا أن يجمعوا مئة ألف درهم ويبعثوها مع رسولهم الذي رحل إلى المدينة المنورة ودخل مجلس الخليفة وهو يزعم أنه يريد إعادة مئة ألف درهم من بيت المال سرقها المغيرة بن شعبة وأودعها عنده، التفت عمر بن الخطاب إلى المغيرة سائلاً إياه: «ما قولك؟»، فأجاب المغيرة: «إنه يكذب يا أمير المؤمنين، فالمبلغ 200 ألف درهم، وما أتى به الرجل هو 100 ألف فقط، فأين المئة ألف الباقية؟»… فرد الخليفة عمر بن الخطاب: «ما حملك على هذا؟»، فأجاب المغيرة: «العيال والحاجة!»، فخاطب عمر بن الخطاب كبير القوم الذي أتى من البحرين: «ما تقول؟»، فأجابه: «لا والله لأصدقَنك، ما دفع إليَّ قليلاً ولا كثيراً»، فقال عمر للمغيرة: «لم قلت هذا؟»، فأجاب المغيرة: «الخبيث كذب عـني، فأردت أن أخزيه!»، الجدير بالذكر أن المغيرة بن شعبة عرف بأنه من دهاة العرب، حتى قيل عـنه «كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجاً ولا يلتبس عليه أمران إلا اختار أفضلهما».

ويبقى السؤال الأهم، ما الذي يجب عمله من المدير تجاه الشكوى الكيدية؟… أهم الخطوات:

التأكد من صاحب الشكوى وأنه يتحمل مسؤولية كلامه وليس مجرد شخص وهمي.

التحقق من صحة المعلومات والحقائق المذكورة.

الاستماع إلى الأطراف كافة وأهمها الشخص الذي رفعـت الشكوى ضده.

اتخاذ القرار والإجراء ضمن الأنظمة المتبعة، أما إذا ثبت أن الشكوى كيدية فلا بد من رد الاعتبار للشخص الذي تم رفع الشكوى ضده وعقاب الشخص المدعي كي لا يتجرأ على اقتراف هذه الجريمة بحق الآخرين.

وأختم بكلمات: «إذا ارتدى الزور والمكر لباس التقوى ستقع أكبر فاجعة في التاريخ».

Exit mobile version