Site icon صحيفة الوطن

العالم وآخر مراحل مجابهة النظام الاستعماري

أصبحت معظم الدلائل منذ الحرب الأميركية – الغربية على روسيا وحلفائها تشير إلى أن العالم يتجه نحو انقسام تتحد فيه جميع القوى الاستعمارية التاريخية بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا ومعها اليابان وإيطاليا من أجل اقتسام المصالح بينها في العالم والعمل على المحافظة على كل ما فرضته على العالم من هيمنة استعمارية منذ قرن ونصف القرن، وفي مواجهة هذه الكتلة من الاستعماريين التاريخيين ومصالحهم يجري توحيد صفوف الصين وروسيا وحلفائهما في دول البريكس وشنغهاي والشرق الأوسط وبشكل يتسع تدريجياً ليشمل جميع القارات لتصفية نظام الاستعمار العالمي ومخلفاته، ويلاحظ الخبراء المختصون في الشؤون الإستراتيجية العالمية أن هذه المواجهة التي بدأت باستخدام واشنطن والأطلسي لأوكرانيا على الساحة الأوروبية ولتايوان على الساحة الآسيوية ستعد آخر المواجهات التي سيتحدد بعدها نظام عالمي تفقد فيه هذه القوى الغربية عدداً كبيراً من مصالحها ونسبة لا بأس بها من نفوذها ولن يعود بمقدورها فرض هيمنتها على العالم واحتكار المصالح الغربية الامبريالية فيه، وبعد أن حشد الغرب منذ شباط 2022 معظم أسلحته الحربية والسياسية والاقتصادية والإعلامية ضد روسيا، وبعد أن أعلنت واشنطن استعداداتها لحرب محتملة ضد الصين، بدأنا نشهد الآن تزايداً في التصريحات الفرنسية والألمانية ضد الصين، ففي 15 حزيران الجاري ذكرت وسائل الإعلام الأوروبية أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يمارس ضغوطاً على الاتحاد الأوروبي لفرض حرب تجارية على الصين، أما في ألمانيا فقد كشف رئيس الحكومة الألمانية أولاف شولتس في خطته لإستراتيجية الأمن القومي الألماني التي أعلن عنها قبل أيام أن «الصين أصبحت خطراً متزايداً لأنها تتوسع اقتصادياً وتحقق نفوذاً سياسياً أكثر من أي وقت مضى» ودعا في إستراتيجيته إلى ضرورة زيادة القدرات العسكرية الألمانية لمواجهة أخطار الصين وروسيا.

وعلى الصورة الأخرى من المشهد تشير استطلاعات الرأي التي نشرها موقع الاتحاد الأوروبي الإلكتروني في 11 أيار الماضي إلى أن 45 بالمئة فقط من الألمان يؤيدون استمرار تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا و60 بالمئة في سلوفاكيا لا يؤيدون إرسال الطائرات الحربية للجيش الأوكراني وأن 64 بالمئة في رومانيا لا يؤيدون تقديم السلاح والذخائر لأوكرانيا وفي الولايات المتحدة أعرب 46 بالمئة فقط عن تأييدهم لحرب أميركا ضد روسيا، وترى أغلبية أن الحرب يجب ألا تستمر أكثر من سنتين في أوكرانيا، ويؤكد المحللون السياسيون في أوروبا أن تطورات الحرب والمكاسب الروسية التي حققتها روسيا ستجعل الرأي العام الأوروبي يتراجع عن تأييد استمرار شن الحرب على روسيا وسينشغل بمواجهة الأضرار التي تولدت على اقتصاد الدول الأوروبية نتيجة العقوبات على روسيا وخاصة بعد أن تبين أن تحالف دول البريكس الذي يضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، بدأ يدفع دولاً إقليمية مهمة ترغب بالانضمام إليه مثل الجزائر ومصر ناهيك عن إيران وتركيا وهو يمثل أكثر من 30 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي و43 بالمئة من عدد سكان العالم، وستزيده مصر والجزائر وإيران وتركيا وغيرها من الدول بخمسمئة مليون، وتتزايد هذه النسبة مع فوائد الانضمام إليه سنة تلو أخرى بفضل مرونته في التجارة بين أعضائه باستخدام العملات المحلية وليس الدولار.

يبدو أن المواجهة العالمية ستحتدم بين الدول الاستعمارية التاريخية من جهة وبين الدول الأخرى التي كان قد جرى استعمارها في القرن الماضي بعد حربين عالميتين فالصين والهند كانتا مستعمرتين بريطانيتين، وكذلك كوريا ودول آسيوية أخرى كانت مستعمرات يابانية وفرنسا كانت قد استعمرت المغرب العربي ودولاً إفريقية أما ألمانيا فقد شنت هي وإيطاليا حربين من أجل انتزاع المستعمرات من فرنسا وبريطانيا، ولم تنجح وها هي تتحالف معهما الآن في حرب ضد روسيا والصين على أمل الحصول على حصة من المستعمرات الحديثة.

سيكون من الطبيعي أن تتحالف دول كثيرة مع الصين وروسيا لكي لا تصبح مرة أخرى خاضعة لمن احتلها في القرنين الماضيين وهذا ما جعل تسع عشرة دولة تتقدم بطلب إلى البريكس للحصول على عضويته وسيمثل قريباً أكثر من 40 بالمئة من مساحة الأرض وأكثر من نصف البشرية وبهذا الشكل سينهار النظام العالمي الاستعماري الأميركي – الغربي الذي فرض مصالحه الامبريالية على العالم بالاحتلال والقتل والإبادة.

Exit mobile version