Site icon صحيفة الوطن

من سيد درويش إلى الرحابنة

عندما أعاد الأخوان رحباني التوزيع الموسيقي لأغنية الصنايعية المعروفة باسم «الحلوة دي» كانا يسيران على الدرب الذي بدأه مجدد الأغنية العربية سيد درويش.

ليس غريباً أن يتبنى الرحابنة هذه الأغنية التي كانت في وقتها قبل أكثر من مئة سنة من الآن ثورة في عالم الأغاني، فهذه الأغنية التي كتب كلماتها بديع حقي ولحنها وغناها سيد درويش كانت وقفة تضامن مع طبقات المجتمع الدنيا، لأن سيد درويش- كما يقول أحد النقاد استخدم هذه الأغنية في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي.

عائلة الرحباني كانت تحمل هموم الناس والدفاع عن طبقات المجتمع من مزارعين وفلاحين وأصحاب المهن اليدوية، بل ربما عالجت تلك المسرحيات بأسلوب ساخر واستخدام الموسيقا والغناء أوضاع الناس، وكأن المسرحيات كانت بمنزلة مجهر مسلط على المجتمع العربي عموماً.

وإذا كان سيد درويش قد تحدث عن «الصنايعية» وحالهم والأمل الذي يحملونه في قلوبهم وأرواحهم، فإننا نجد في مسرح الرحابنة ما هو أكثر من هؤلاء الصنايعية وأصحاب المهن، ليصل الأمر إلى قطاع الطرق والمهربين واللصوص والمتسولين في صرخة قوية ضد هذه الظواهر في مجتمعنا.

فعلى سبيل المثال نجد في مسرحية «يعيش يعيش» صاحب الدكان الصغيرة في قرية من القرى على الحدود، وإلى جواره يظهر «ملهب المهرب» الذي لعب دوره أنطوان كرباج ببراعته المعهودة، ومعهما متعهد العراضات و«الهوبرة» إضافة إلى البنت البسيطة لكنها عميقة في فكرها وردة حفيدة صاحب الدكان التي لعبت فيروز دورها.

أما في مسرحية «ميس الريم» فنجد فيروز بائعة الصحون الفاخرة في المدينة وهي تنتمي إلى القرية أصلاً، ونجد نعمان الميكانيكي، غندور وأبو حلقة، طبعاً في قصة الخلافات المزمنة بين العائلتين الكبيرتين في قرية ميس الريم، وكأن الرحابنة أرادوا إسقاط ذلك على الخلافات العربية- العربية.

في مسرحية المحطة تتسع الدائرة قليلاً لنجد اللص«الحرامي» الذي لعب دوره أنطوان كرباج والمتسول «الشحاد» والمزارع الذي زرع أرضه بالبطاطا وتاجر الأغنام وحتى السكير، وهناك حوارات قوية للغاية بين شخصيات المسرحية خاصة بين الحرامي والشحاد، أو بين الحرامي والسكير.

لا تكاد تخلو مسرحيات وأفلام الرحابنة من شخصيات أساسية كرئيس البلدية وأعضاء البلدية والفساد بين بعض هؤلاء الأعضاء، إضافة إلى الشاويش الذي يلعب دوره دائماً الفنان وليم حسواني إلى درجة صار يلقب بشاويش المسرح الرحباني.

الشاويش والكركون ظهرا كثيراً وخاصة في مسرحيات «ميس الريم» وبياعة البندورة أو«الشخص» التي قدمت لنا صورة عن حال الباعة الجوالين وأحوالهم وعن بعض القضاء الفاسد.

في مسرحية «صح النوم» يطل علينا «شاكر الكندرجي» أي صانع الأحذية، أما في مسرحية «لولو» فكانت شخصية «البويجي» أي ماسح الأحذية إضافة إلى الطباخ وخريجي السجون والمجنون وشهود الزور والقاضي الذي يحكم بما يشهد ويسمع، وحسب ما تريد الأكثرية!.

حتى العربجي سنجده في مسرح الرحابنة، وهي مهنة عتيقة تابعها الجمهور العربي في مسلسل سوري في رمضان الماضي.

تحدثنا عن الشاويش والكركون «المخفر» لكن إلى جانب هذا وذاك لم يغفل الرحابنة مهنة كانت سابقاً غاية في الأهمية وهي الحارس، فقد خصصا لهذه المهنة فيلماً كاملاً تحت اسم «بنت الحارس» طبعاً بطولة فيروز والأخوين رحباني ونصري شمس الدين، وفي هذا الفيلم احتل الفساد في البلدية حيزاً كبيراً.. هكذا نرى أن الغناء الشعبي، أو الغناء الموجه لطبقات المجتمع الدنيا مستمر منذ أكثر من قرن مع سيد درويش وسيتواصل إلى ما بعد فيروز الرحابنة، والأسرة الرحبانية كاملة.

Exit mobile version