Site icon صحيفة الوطن

الدولة والإدارة

في كتابي «تجربتي في الحزب والوزارة» الذي أصدرته عام 2004، حذرت من المخطط الإستراتيجي للغرب بالدعوة لدعم انتخاب النساء والشباب، وسيطرتهم على شؤون الدولة، وبينت أن المواقع القيادية تحتاج إلى الأشخاص الذين يمتلكون الخبرة والتجربة مع العلم والثقافة، وأن الوطن بحاجة إلى كل الأجيال كلٍ في مجاله، وطالبت بإعادة النظر في سن التقاعد في ضوء ارتفاع متوسط الأعمار الذي يصل في بلدنا إلى 70-75 عاماً، وقلت إنه ليس من المعقول أن نحيل إنساناً على التقاعد وهو في سن الـ60 عاماً وهو في أوج عطائه ونضوجه.

وللأسف لم يلق ما حذرت منه أي صدى، بل على العكس تصاعد بشكل أخلّ بعمل وأداء مؤسسات الدولة بشكل ملحوظ، وعلى الأخص عندما تم تعيين عدد من أساتذة الجامعات في مواقع تنفيذية تحتاج إلى خبرات عالية وممارسة طويلة، فتم تعيين بعضهم مديرين للمصارف ومؤسسات اقتصادية كبيرة وهم لا يتمتعون بالخبرة التي تؤهلهم لإدارة هذه المؤسسات.

وكانت ظاهرة شهادات الدكتوراه التي يحصل عليها البعض بأقل جهد ممكن وأحياناً من دون أي جهد، وتمكن هؤلاء من الوصول إلى مناصب ومواقع إدارية عليا، بل تمكن بعضهم من أن يصبحوا أساتذة في الجامعات!

وأثبتت الأيام فشلهم في الوظائف والأعمال التنفيذية التي أسندت إليهم.

إن شهادات الدكتوراه التي يجب معادلتها هي الشهادات الصادرة عن الجامعات المعروفة التي لا تمنح هذه الشهادات وغيرها إلا لمن يستحقها عن جدارة وضمن مدة زمنية لا تقل عن 3-4 سنوات، وكذلك فإن أستاذ الجامعة الناجح ليس بالضرورة أن يكون مؤهلاً للنجاح في المواقع التنفيذية التي تحتاج إلى الخبرة والممارسة والموهبة.

ومن هذا المنطق لا بد من وضع الآليات والأسس الناجعة لمراجعة وتدقيق شهادات الدكتوراه التي تمت معادلتها واعتمادها، ووضع المعايير والشروط الصحيحة لاختيار القيادات الإدارية العليا انطلاقاً من تلازم الخبرة مع المؤهل العلمي الذي ليس بالضرورة أن يكون «دكتوراه» فهناك كثير من العاملين في الدولة من حملة الشهادات الجامعية لديهم الخبرة والعلم والموهبة التي تفوق الكثير من حملة الدكتوراه.

لذلك يجب على وزارة التنمية الإدارية الاهتمام بذلك في سياق الإصلاح الإداري الذي تسعى إليه، واختيار القيادات العليا انطلاقاً من تلازم المؤهل العلمي والخبرة، فالخبرة في مجال الإدارة كالتكنولوجيا بالنسبة للعلم وتطبيقاته، والمحافظة على التراتبية الوظيفية قدر الإمكان.

علينا أن ندرك أن البث القوي لشعار: «تمكين المرأة والشباب» في منطقتنا ودولنا العربية بفهم ومضمون يختلفان عن الفهم والمضمون اللذين لدى الغرب الذي يهتم بشكل أساسي وجوهري بتعليم الشباب والمرأة وتحفيزهم على الإبداع والدراسات العليا وتأمين فرص عمل لهم.

وفي هذا السياق أرى من الضروري وحرصاً على وزارات الدولة إعادة النظر بموضوع تعيين معاوني الوزراء ليكونوا من أصحاب القِدم والخبرة والمؤهل العلمي، وما زلت أذكر في سبعينيات القرن الماضي وجود أمين عام لكل وزارة وفق هذه المعايير.

Exit mobile version