Site icon صحيفة الوطن

القلم المقاوم غسان كنفاني في ذكرى رحيله … واحد من أهم مئة فيلم سياسي عالمي أخذ عن روايته «رجال في الشمس»

خمسة عقود مضت على رحيل الروائي والصحفي والقاص غسان كنفاني الذي بقي حياً حتى يومنا هذا بمؤلفاته وأعماله التي خلدت اسمه وصنعت منه علامة فارقة في الأدب والفكر العربي الأصيل والمقاوم. فكان قلمه الحر السلاح الوحيد الذي رفعه في وجه مغتصبي بلده فلسطين التي هُجر منها وهو فتى صغير فعاشت في قلبه حتى كرّس لها رواياته وقصصه القصيرة التي تجذرت في عمق الثقافة العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً.

اعتبر أحد أشهر الكتاب العرب في القرن العشرين وأصبح غسان كنفاني اسماً لأهم جائزة سنوية ثقافية تهدف إلى جعل فلسطين وتراثها الأدبي حاضرين في الوجدان الإنساني.

محطات حياته

ولد غسان كنفاني في عكا شمال فلسطين في التاسع من نيسان عام 1936 عاش في يافا والتحق بمدرسة الفرير حتى أيار عام 1948 حين أجبر وعائلته على النزوح فعاش في لبنان ثم في سورية حيث أكمل دراسته الثانوية في دمشق وحصل على شهادة البكالوريا عام 1952، وفي أثناء دراسته للثانوية برز تفوقه في مادتي اللغة العربية والرسم، وعندما أنهى الثانوية عمل في التدريس بمدارس اللاجئين وبالذات في مدارس الاليانس، كما التحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي، وفي أواخر عام 1955 انتقل إلى الكويت ودرّس في المعارف الكويتية، وفترة إقامته هناك كانت المرحلة التي رافقت إقباله الشديد على القراءة وشحنت حياته الفكرية وفيها كتب أولى قصصه القصيرة «القميص المسروق» التي نال عليها الجائزة الأولى في مسابقة أدبية.

تزوج من الدانماركية آني هوفر ورزق منها بولدين هما فايز وليلى.

وفي صباح الثامن من تموز استشهد هو وابنة أخته لميس نجم بانفجار عبوة ناسفة في سيارته وضعها له الموساد الإسرائيلي لاتهامه غسان بالمسؤولية عن عملية خطف الطائرات التي فجرت في الأردن، وبعض الروايات تقول إن سبب الاغتيال هو منع غسان من المشاركة في المحكمة الأميركية في قضية رفعتها شركة الطيران المالكة للطائرات المخطوفة ضد شركة التأمين وكانت هذه الشهادة ستثبت شرعية المقاومة الفلسطينية في المحاكم الأميركية.

غسان والصحافة

تفتحت موهبة غسان كنفاني الأدبية والصحفية في عمرٍ صغير عندما افتتح والده مكتباً للمحاماة في دمشق فأخذ إلى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحرير واشترك في برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة.

وفي أثناء عمله في التدريس الابتدائي بالكويت بدأ بالتحرير في إحدى الصحف الكويتية حيث كان يكتب تعليقاً سياسياً بتوقيع «أبو العز» والذي لفت الأنظار إليه بشكل كبير. ومن بعدها انتقل غسان إلى بيروت للعمل في مجلة «الحرية» وكان مسؤولاً عن القسم الثقافي فيها، وإضافة إلى ذلك كان يكتب مقالاً أسبوعياً لجريدة «المحرر» البيروتية التي كانت تصدر أسبوعياً صباح كل اثنين ثم أصبح رئيس تحريرها وأصدر فيها ملحق فلسطين كما استحدث صفحة للتعليقات السياسية الجادة وكان يحررها هو وآخرون، ثم انتقل للعمل في جريدة الأنوار اللبنانية وأسس لاحقاً مجلة «الهدف» الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان عضواً في أسرة تحرير مجلة «الرأي» بدمشق، فلفت نشاطه ومقالاته الأنظار إليه كصحفي ومفكر وعامل جاد ونشيط للقضية الفلسطينية.

الأديب غسان

أدب غسان كنفاني كان متفاعلاً مع حياة الناس في فلسطين وكل ما عاشوه فصور برواياته واقعهم المؤلم والحزين الذي تأثر به وترك في وجدانه جرحاً عميقاً.

ومن أشهر أعماله الملحمية كانت رواية «عائد إلى حيفا» التي صدرت طبعتها الأولى عام 1969 وترجمت إلى عدة لغات منها اليابانية والإنكليزية والروسية والفارسية، وفيها وصف رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا، وحولت هذه الرواية إلى عدة أعمال فنية كان أبرزها المسلسل السوري «عائد إلى حيفا» للمخرج باسل الخطيب وبطولة سلوم حداد ونورمان أسعد.

ورواية «رجال في الشمس» التي وصفت تأثيرات النكبة على الشعب الفلسطيني من خلال أربعة نماذج من أجيال مختلفة، وبين عامي 1972 و1973 أنتجت المؤسسة العامة للسينما في سورية فيلماً سينمائياً مبنياً على أحداث هذه الرواية من بطولة عبد الرحمن آل رشي وبسام لطفي، وحصل الفيلم على الجائزة الذهبية بمهرجان قرطاج للأفلام العربية والإفريقية سنة 1973 واختير كواحد من أهم مئة فيلم سياسي في تاريخ السينما العالمية.

وصور الشخصية الفلسطينية في مجموعته القصصية «أرض البرتقال الحزين» التي صدرت أولى طبعاتها عام 1962.

فاستطاع خلال حياته القصيرة أن يقدم عدداً كبيراً من الروايات والقصص والدراسات الأدبية وهي: عالم ليس لنا، موت سرير رقم 12، المخدوعون، أم سعد، الشيء الآخر، القنديل الصغير، القبعة والنبي، القميص المسروق، جسر إلى الأبد، ما تبقى لكم، الباب، أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948- 1968، في الأدب الصهيوني، العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان، وثلاث روايات غير مكتملة.

وكان غسان يردد: «الأطفال هم مستقبلنا»، لذا فقد كتب الكثير من القصص التي كان أبطالها من الأطفال، ونُشرت مجموعة من قصصه القصيرة في بيروت عام 1978 تحت عنوان «أطفال غسان كنفاني»، أما الترجمة الإنجليزية التي نشرت في عام 1984 فكانت بعنوان «أطفال فلسطين».

ترجمت معظم أعمال غسان كنفاني ونشرت في نحو 16 لغة في عشرين دولة مختلفة، وتم إعداد بعضها للمسرح، وكانت رواية «رجال في الشمس» هي أول ما نقل إلى اللغة الإنجليزية في السبعينيات من القرن الماضي وصدرت عن دور نشر في إنجلترا والولايات المتحدة الأميركية.

غسان والمقاومة

كان ألم غسان كنفاني على حال بلده فلسطين وشعبها وغضبه من العدو الصهيوني حاضراً في كل أعماله، فحمل على عاتقه عكس صورة الظلم والإجرام والإرهاب الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في رواياته وقصصه، جاعلاً من أدبه نموذجاً رائعاً للأدب المقاوم، فكان أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عن أشعارهم وأزجالهم الشعبية في الفترات الأولى لتعريف العالم العربي على شعر المقاومة، وأصبحت محاضراته عنهم وكتابه «شعراء الأرض المحتلة» مرجعاً مقرراً في عدد من الجامعات وكذلك مرجع للدارسين. وتعود له الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيوني التي نشرتها مؤسسة الأبحاث بعنوان «في الأدب الصهيوني».

ولم تقتصر أعماله الوطنية على رواياته وقصصه فقط فقد كان غسان عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما انضم إلى حركة القوميين العرب عام 1953.

غادة وغسان

وبعيداً عن أدبه ومؤلفاته وحركاته النضالية عرف غسان كنفاني بعلاقة الحب القوية التي جمعته بالكاتبة السورية غادة السمان والتي بدأت في ستينيات القرن الماضي عندما التقى بها في إحدى الحفلات في القاهرة وقال لها حينها: «مالك كطفلة ريفية تدخل المدينة أول مرة؟» وفي هذه الليلة توثقت العلاقة بينهما وعاشا علاقة حب لم يسبق لها مثيل، ليتبادلا بعدها رسائل كانت ثمرة هذه العلاقة والتي نشرتها غادة السمان في كتاب أصدرته عام 1992 في ذكرى المناضل غسان السنوية وحمل عنوان «رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان»، ومن الرسائل التي جاءت فيه:

«غادة، عندما أمسكت الورقة لأكتب، كنت أعرف أن شيئاً واحداً فقط أستطيع أن أقوله، وأنا أثق من صدقه وعمقه وكثافته، وربما ملاصقته التي يخيل إليّ الآن أنها كانت شيئاً محتوماً وستظل كالأقدار التي صنعتنا: «إني أحبك»، غسان.

«ولم أقع في الحب، لقد مشيت إليه بخطا ثابتة، مفتوحة العينين حتى أقصى مداها، إني واقفة في الحب، لا واقعة في الحب، أريدك بكامل وعيي».

Exit mobile version