Site icon صحيفة الوطن

من حسن السلوك إلى حسن المواطنة .. إعادة هندسة المجتمعات جربها الأدب من قبل … انكشاف معلومات سكان الأرض نتيجة اتفاق أمني رقمي 

| رشاد أنور كامل

في بداية الثمانينيات كنا نفاجأ لأخبار التقنيات الجديدة والتسعينيات عشناها على أخبار الإنترنت، ولكن بعد منتصف العام 2005 أصبحت التقنيات من مكونات الحياة اليومية وفقدت قدرتها على إدهاشنا، وبدلا من أن نتابع التطورات التقنية تحولنا إلى متابعة إنجازات الشركات التقنية مالياً، ولكن هذا على ما يبدو لن يدوم كثيراً، فالمستقبل الذي توقعه الجميع لسيطرة التقنيات على حياة البشر، أطل برأسه في العام 2015.
مع فنجان قهوة صباحي مع إبني نوار الذي يزورني في إجازة نهاية العام ما بين فصلين جامعيين سألني: هل اطلعت على تجربة الصين فيما تقوم به من تجربة اجتماعية رقمية ستعيد هندسة مجتمعاتها قريباً؟. «وتابع بعد أن فهم من انتباهي الشديد لما طرحه وصمتي بأني لم أطلع على الموضوع بعد»: الصين مقبلة على أكبر تجربة اجتماعية عبر استخدامها نظام نقاط المواطنة الصالحة أو ما يدعونه تماماً (Social Credit System – SCS)؟!!.
وبدأ يحدثني عن أهم تجربة اجتماعية إنسانية ستطبق في الصين من الآن إلى العام 2020، ، حيث سيتجاوزون مرحلة التجريب والتطوع للتجربة والتي بدأت الآن، إلى مرحلة تعد جزءاً من التعريف المرجعي لكل شيء، مواطن، وشركات، وخدمات حكومية.
وخلاصة الموضوع أن المواطن الذي يحصل على علامات أفضل باستخدامه لهذا النظام سيكون مواطناً له مصداقية أكبر عند الحكومة والشركات الخاصة بأنواعها وخاصة الخدمية والمالية منها، وسيحصل عند حصوله على تقييم مرتفع على فرص توظيف وتسهيلات حكومية وأيضاً ثقة أكبر من الشركات الخدمية والمصارف والقروض.
أذهلني الموضوع وبدأت بفتح كل المواقع والأخبار التي تتحدث عما طرحته الصين حول استخدامها نظام (Social Credit System – SCS) والتي لابد أن أبدأ لكم أولاً بمقاربتها إلى اللغة العربية وترجمتها إلى العربية التي من الممكن أن يصح ترجمتها إلى (نظام الرصيد الاجتماعي) إذا ما اعتبرنا أن كلمة (Credit) هنا تعادل الرصيد الذي تم تحصيله من المستخدم (المواطن) أثناء استخدامه للمنظومة، أو تترجم (نظام المرتبة الاجتماعية) إذا ما اعتبرنا أن كلمة (Credit) هنا تعادل المرتبة الاجتماعية التي تم تحصيلها من المستخدم (المواطن) أثناء استخدامه للمنظومة.
لا يعتبر استخدام التقنيات في إعادة هندسة المجتمعات أمراً لم يخطر على بال الأدب العالمي ولا التطبيق الفعلي لمعظم الدول، ففي رواية جورج أورويل التي أطلقها عام 1948 بعد الحرب العالمية وسماها «1984» وصف «أورويل» دولة تقنية في المستقبل تحت رعاية «الأخ الأكبر Big Brother»، المواطن فيها مراقب تقنياً في كل لحظة وفي كل مكان من دون انقطاع.
ومع ظهور شبكات الحواسب والحواسب الشخصية والإنترنت وشبكات الهواتف المحمولة والهواتف الذكية وأخيراً شبكات التواصل الاجتماعي بأنواعها، لم يكن مفاجئاً لنا كمهتمين بالتقانة ولا كعاملين في قطاع الحكومة الإلكترونية وتطبيقاتها استخدام تلك التقنيات في إنشاء قواعد البيانات المختلفة عن المواطنين في كل البلدان بلا استثناء، وتختلف مستويات قواعد البيانات تلك وتشابكاتها وتوافقيتها مع بعضها البعض واستخلاص خدمات تفيد المواطن والحكومات منها (interoperability)، بالضرورة كان لابد من استخدام تلك البيانات المستخلصة عبر المراقبة وتحليل البيانات أو تلك المدخلة عبر المؤسسات الحكومية ذاتها في مجال الأمن القومي كأمٍر لامناص منه، لكن إضافة المعلومات المستخلصة من شبكات التواصل الاجتماعي واضافتها من دون علم مستخدمي تلك الشبكات إلى معلوماتهم في قواعد البيانات الحكومية وتشكيل «ملفات شخصية» عنهم و«تنميطهم» وتجميعهم ضمن «مجموعات» ليتم التعامل معها عند الطلب وعند الحاجة، وتكشف تلك الممارسات في عدد من المناسبات، استدعى الكثير من الدول وتحت ضغط الحركات الحقوقية في سنّ قوانين «حماية الخصوصية» و«حق الوصول للبيانات» للحد من ممارسات انتهاك معلومات الأفراد والمجموعات وحتى الدول للدول.
وما الفضائح المتتالية التي أصابت المجتمع الرقمي والأمني في قضية اتفاق الجهاز المختص في مراقبة الاتصالات الأجنبية الأميركي مع أهم الشركات العالمية مثل مايكروسوفت وأبل وغوغل، ياهو، سكايب، يوتيوب، فيسبوك، وأميركا اون لاين وغيرها في عملية تسليم مفاتيح خلفية لحسابات زبائنهم وتسليم كامل مراسلاتهم وتصرفاتهم عبر الإنترنت واتصالاتهم، إضافة إلى الصور التي يلتقطونها، أو لوائح المتصلين لكل منهم، والتي تم إطلاق تسمية «PRISM» عليها، إلا نموذج عملي لما آلت إليه حقيقة انكشاف معلومات معظم سكان الأرض لدى حكوماتها ولدى الحكومات الأخرى.
ولكن أيضاً ومع رفع الغطاء رقمياً عن المجتمعات، ظهرت مفاهيم أخرى مثل الديمقراطية الرقمية عبر تحويل كل شخص إلى عضو برلمان يمثل نفسه وقد يمثل منتخبيه الرقميين، وكل شخص مراقب، وكل شخص فاعل مجتمعياً وتنموياً، وانتقلنا من مراحل انكشاف المجتمعات إلى مرحلة انكشاف الحكومات رقمياً، وما تداعي الحكومات حول العالم إلى إصدار قوانين لإتاحة المعلومات الحكومية للعموم، وتعزيز قيم الشفافية الحكومية إلا أحد نتائح إعادة هندسة المجتمع لحكوماته ومحاولة الحكومات إعادة هندسة مجتمعاتها باتجاه مستقبل أفضل وأكثر تشاركية.
«نحن في سورية حاولنا في الحكومة الإلكترونية السورية تبني نموذج فعال للمواطنة الفاعلة»، وهنا أثرت فضول ابني لمعرفة تفاصيل التجربة السورية.
تابعت راوياً له الحكاية: «دخل مكتب الفريق التنفيذي للحكومة الإلكترونية عام 2012 مجموعة من الشباب ممن التقيناهم في معرض خاص لطلاب الهندسة المعلوماتية دعانا إليه عميد كليتهم النشط، متفائلاً بأن الكثير من المشاريع التي يطرحها شباب وشابات المعلوماتية لها مستقبل حقيقي في مشاريع حكومية وخاصة في مشاريع الحكومة الإلكترونية».
ولا أنكر أبداً أننا دهشنا من أفكار المشاريع التي طرحها الشباب والشابات والتي أذكر منها منظومات إدارة السير، ومنظومات إدارة الكوارث والطوارئ، وصولاً إلى المجموعة التي أتحدث عنها الآن والتي كانت تطرح فكرة شدتنا إليها جميعاً في الحكومة الإلكترونية وهي «منظومة المواطنة الفاعلة»…
شباب خجولون، ثلاثة من سورية ورابعهم من العراق يدرس في سورية، وصلوا إلى اجتماع دعوناهم إليه وهم مدهوشون أن فعلاً هنالك من ينصت إليهم، بدأت الاجتماع الأول معهم، وتوجهّت بحديثي اليهم بالجد فوراً: «يا شباب الموضوع يللي عم تشتغلوا عليه… وهنا قاطعني أحدهم وقال (ممنوع داخل سورية)؟…. وكأنهم هذا ما كانوا يتوقعونه من الاجتماع…. فتابعت مع ابتسامة… لا بل رائع… وجداً مطلوب… فارتاحت ملامحهم الشابة…. وتابعت… برنامجكم عملياً يشجع ويبني المواطنة الفاعلة عبر إتاحة مشاركة الجميع في قضايا خدمية، وتصنيف تلك المشاركات بحيث تفرز قياداتها الفاعلة الكترونياً، وهذا بالفعل رائع ونحتاجه ونريده… أظنهم لم يسمعوا الكثير بعد كلمة رائع… هذه مواطنة فاعلة وإيجابية ونتمنى أن نعمل معكم على تنفيذها».
وبعد هذه المقدمة دخل إلى الاجتماع باقي أعضاء الفريق التنفيذي وبدأت الشروحات الفنية والبرمجية من المجموعة الشابة، ونظرات إعجاب بما يطرح وأذكر أننا تبادلناها أنا وزملائي في الفريق، ودار في رأسنا حلم فيما أنه إذا تمكنّا من إدماج ما يقولونه مع بوابة الحكومة الإلكترونية التي كنا نخطط لها آن ذاك، فسننتج عندها منصة إلكترونية للمواطنة الفاعلة لا مثيل لها في الوطن العربي، والواقع أنه لم يكن لها مثيل في العالم حكومياً آن ذاك…
ولكن مع الأسف كنا في الربع الأخير من العام 2012 وظروفه، فخسرنا إتمام المشروع مع هذه المجموعة الرائعة من الشباب…. كما خسرنا غيرها من المبادرات التي كانت في بدايات تنفيذها أو قطعت نصف المشوار….
ليس جديداً على الأنظمة حول العالم استخدامها للمعلومات المتوافرة لديها حول مواطنيها في عملية تصنيف وتأطير سلوكهم وتجميعهم ضمن مجموعات، وتستخدم تلك المعلومات سراً في عملية التقييم الأمني للمواطن، أوعلناً كما في البلدان التي لديها منظومات التصنيف الائتماني (Credit bureau) والتي تمنح كل مواطن حسب سلوكه في عملية تسديد فواتيره وقروضه درجة تؤهل هذا المواطن من رفع درجته الائتمانية وعملياً منحه قروضاً بقيم أعلى بلا ضمانات عينية أو رفع السقف الائتماني لبطاقاته الائتمانية، وأيضاً وفي حالة هبوط درجته الائتمانية أو وضع إشارة عليه في حال كونه مقترضاً سيئاً، فعملياً يتحول إلى شخص خارج المنظومة المالية وسيواجه أكبر المصاعب حتى في الحصول على خط هاتف.
الصين هي الدولة الوحيدة عملياً التي طورت هذا النظام ليكون نظاماً اجتماعياً رقمياً يتجاوز في خدماته ونتائجه البعد المالي فقط ليصل إلى المستوى الأخلاقي، والوطني، والإنساني…. فهل ستنجح هذه التجربة؟.
التجربة الصينية

من يعمل في قطاع الأعمال حتماً سمع بموقع علي بابا الصيني الشهير (www. alibaba. com) الذي تجاوزت نجاحاته الحدود لتصل قيمته في أسواق الأسهم العالمية إلى مئات المليارات، وعلي بابا كموقع للتجارة بالجملة والتجارة الإلكترونية بالمفرق له من المشتركين داخل الصين وحدها 400 مليون مشترك (وهذا رقم كبير بكل المقاييس العالمية)، ومجموعة علي بابا، التي تضم الكثير من الشركات الأخرى الرقمية والمالية، وطبعا بالتعاون مع الحكومة الصينية، قد أطلقت التجربة وانضم إليها أكبر موقع صيني للتعارف من أجل الزواج «www. Baihe. Com» الذي يضم نحو 90 مليون مستفيد من خدماته، وقد أعلنوا عن بداية تجريبية تطوّعية لأول نظام تصنيف ائتماني اجتماعي في الصين عام 2015، وفي تصريح لمدير شركة بايهي للتعارف والزواج حول هذه الخطوة قال: «إن توسيع استخدام قاعدة بيانات مستخدمي مجموعة علي بابا وإتاحتها لأصدقاء المتطوعين بهذه المنظومة والمهتمين يساعد في إعطاء صورة أفضل عن شريك الحياة المرتقب في المستقبل، وتصرفاته ومشترياته وما ينفق عليه والتزامه بالتسديد والتزاماته المالية، ما قد يساهم إيجابا أو سلبا في عملية اختيار شريك الحياة من وجهة نظر الاستقرار المالي المستقبلي له» وأضاف: «ربما يكون مظهر الشخص مهماً جداً ولكن قدرته على كسب العيش بشكل جيد ومريح وثابت سيعزز الثقة به وبمستقبل تأسيس عائلة معه».
ورغم تأكيدات الشركات المساهمة بهذه المنظومة بأنها لا تراقب باقي الشبكات الاجتماعية المرتبطة بحسابات زبائنها ولا تربطها بمنظومتها للتثقيل الاجتماعي والتي اتفقنا على تسميتها (نظام الرصيد الاجتماعي) وأنها تعتمد خوارزميات تصنيف معقدة تدرس فقط السلوك الإنفاقي للمستهلك والتزامه بالتسديد حصراً… وأن (نظام الرصيد الاجتماعي) يتابع الآن فقط نشاطات مستخدمي موقع علي بابا للدفع إضافة إلى حسن تسديد المستخدمين في بعض المواقع الشهيرة المساهمة بهذه المنظومة ومن أهمها مثلاً خدمات التاكسي الخصوصي التشاركي دي دي كويدي (Didi Kuaidi) التي تستثمر فيها علي بابا بحصة كبيرة وتستحوذ على 83% من حصة السوق الصينية لهذا النوع من خدمة التاكسي الخاص ويستخدمها 200 مليون صيني، فهناك من يشكك بأن الرقابة ستتجاوز السلوك الانفاقي والائتماني فقط.
ومن حيث المبدأ لا تخفي شركة علي بابا التي تتبنى المرحلة التجريبة لـ(نظام الرصيد الاجتماعي) أن هناك تقييمات مختلفة لأنواع مختلفة من عادات الشراء لدى الشريحة التي انضمت طوعاً من الصينيين لهذه التجربة الاجتماعية الأحدث، فمثلاً من يعرفون أنه ينفق أمواله في الجلوس لعشر ساعات خلف لعبة إلكترونية شبكية سيعتبر خاملاً اجتماعياً، ، مقابل شخص ينفق أمواله على مستلزمات أطفاله وعائلته والذي سيتم تقييمه على أنه رب أسرة ملتزم، ويترجم ذلك فوراً بأن الأب أو الأم ممن يصرفون بجد على الأسرة هم أكثر أهلاً للثقة المالية والائتمانية.
الحكومة الصينية تراقب الآن من بعيد ولكن بعناية التجربة، وهم صرحوا بأن المنظومة التي ستعتمدها الحكومة الصينية ستكون مختلفة عن مثيلاتها من القطاع الخاص التي اعتمدت خوارزميات خاصة بها، أي نفهم من ذلك أن الحكومة الصينية تحضر خوارزمياتها وآليات التثقيل الخاصة بها، والتي لا يستبعد أنها ستستفيد مما سينجز الآن من خوارزميات التصنيف.
ومما جاء في خطة الصين للمستقبل عبر تصريح أحد مسؤولي هذه التجربة الحكوميين في مضمار تفسيرها لنظام الرصيد الاجتماعي: «أن استخدام مثل هذه المنظومة سوف يؤدي إلى تثبيت وفرض مناخ لتشكيل رأي عام يدعم كل التصرفات الحميدة للمواطنين وتؤسس لمفهوم هو أن التصرف الموثوق والأخلاقي مقدّر اجتماعياً»، هذا التصريح المهم برأيي يدل أن الصين تسير بخطوات حثيثة لتوظيف المعلومات المتدفقة عن مواطنيها رقميا باتجاه يختلف عن مفهوم الرقابة ويتجاوزه باتجاه تشكيل مجتمعات أكثر ميلاً لمكارم الأخلاق والتصرفات ذات الموثوقية الاجتماعية عبر منظومة مكافآت اجتماعية ومالية وتشجيعية، وشفافة، والأخيرة هي (بيضة القبّان) في هذه المعادلة.
وأعلنت الصين رسمياً أن كل مواطن صيني في العام 2020 سيكون له رقم خاص بمنظومة الرصيد الاجتماعي ومع طرح الصين لهذا النظام، كان من الطبيعي أن ينقضّ عليها الكثير من المنتقدين لهذا النظام الجديد، وحججهم بدأت باتهام الصين بأنها تلعب الآن فعلاً وبمساعدة التقنيات الشبكية الحديثة دور الأخ الكبير (كما جاء في رواية «1984» جورج أورويل) وانتهوا باتهاماتهم بأنها تسعى إلى السيطرة التامة على مواطنيها وتصرفاتهم وعلاقاتهم والتزامهم بسياسات الدولة الصينية، واستخدام هذه المنظومة في حجب الثقة اجتماعيا وعزل أي معارض.
الصين لم تعلق على كل هذا الهجوم، ولكنها صرحت بأنه فعلاً سيتم استخدام هذه المنظومة في اختيار الأشخاص المناسبين لبعض المهن الحساسة، كالعاملين في المهن الطبية، والمحاماة، والقضاء، والتدريس، والسائقين للقطارات والحافلات العامة، والطيارين، والمحاسبين، والصحفيين، وصولاً إلى الضباط في الجيش، وأفراد الشرطة والأدلاء السياحيين.
والمنطق في ذلك أن هذه المهن الحساسة تحتاج إلى أن يكون من يعمل ضمنها له مصداقية اجتماعية عالية، ومن حق المجتمع أن يعرف الدرجة أو العلامة التي حصل عليها كل منهم في منظومة الرصيد الاجتماعي، فمن حق الأهل أن يعرفوا مثلاً أن أستاذ أو أستاذة أولادهم في المدرسة مثلاً هم من ذوي القيم والأخلاق العالية، وكذلك المدرسة ذات ترتيب عام جيد ضمن ترتيب كل العاملين فيها…. وهذا ينطبق على الكثير من المهن ويساعد المجتمع في فرز أي فرد مقصر في الالتزام في قيم مجتمعه الجيدة أو انجرف إلى أعمال مضرة بسمعته وقد تؤثر سلباً على من هم حوله أو على المؤسسة التي يعمل فيها.
المعارضون لهذه المنظومة يدافعون عن حق الناس في عدم اتباع منظومات أخلاقية فرضت عليهم حكومياً أو حتى عبر العرف، ومنطقهم في ذلك أن الكثير من الحركات الإصلاحية التي أنجزت عبر التاريخ تم اتهام من قام بها بأنهم خرجوا عن الأعراف السائدة آن ذاك، وبعض هؤلاء الإصلاحيين خرجوا عن مؤسساتهم الحاكمة في حالات أخرى، واعتبروا أن مثل هذه المنظومات قد تعيق حركة المجتمعات نحو تطوير بنيتها الاجتماعية والسياسية ضمن هذه السابقة الرقمية المقتحمة بإرادة أو من دون إرادة الشخص لكل خصوصياته.
ومن الجدالات حول رفض مثل هذه المنظومات التي تسعى إلى الحكم على الأشخاص رقمياً، يطرح البعض مخاوف حول أن تؤثر مخالفات السير لمواطن أو بعض الجنح البسيطة سلبا عليه وتخفف من فرصه في حصوله على وظيفة في المستقبل (لأن قواعد البيانات لمختلف الأنظمة ستكون متداخلة ومرتبطة مستقبلاً ببعضها)، وأن الكثير من الأشخاص الطيبين قد يقعون في بعض الأخطاء الصغيرة والمخالفات الصغيرة التي يطويها الزمن وتذهب مع النسيان ولكن ضمن هذه المنظومة الرقمية ستكون كاللعنة الأبدية، فمن منا لم ينسَ دفع فاتورة أو خالف قانون السير أو تصرف بقليل من الطيش أثناء المراهقة والشباب؟. سؤال مهم، والأجوبة عليه أيضاً موجودة، مثل طرح آليات لتعويض النقاط المفقودة أو محوها أيضاً، وهي تشبه الآليات نفسها لإعادة سجلك الائتماني إلى حالة مقبولة بعد هبوطه نتيجة تصرفات أو تعثرات مالية أثرت عليه، فمثلاً السجل الائتماني في حال تم تعديله ينظف نفسه كل ست سنوات ويبدأ من جديد، ومن الممكن تخفيض المدة بدعاوى قضائية وحيل قانونية، ومن الممكن تطبيق خوارزميات مماثلة لتبييض أي كبوة صغيرة في سجلك ضمن نظام الرصيد الاجتماعي على مبدأ (الحسنة تذهب السيئة).

Exit mobile version