Site icon صحيفة الوطن

في سلتنا الوطنية… شح بالمواهب واللاعبين المتميزين سببه الأندية التي تعمل بعقلية غير احترافية والمطلوب حلول جديدة

على الرغم من الإثارة والنكهة التنافسية والحضور الجماهيري الأخاذ والنقل التلفزيوني الممتع الذي شاهدناه في دوري سلة المحترفين لهذا الموسم وخاصة في مباريات المربع الذهبي، غير أن كل ذلك لم يبشر بالخير لسلتنا الوطنية، ولم يكن الزرع مثمراً لذلك لن يكون الحصاد جيداً وموازياً لحجم الكم الهائل من الإمكانات المادية التي تم صرفها على تعاقدات الأندية على لاعبيها الأجانب من دون أن نجني أي فائدة مادية لجميع أنديتنا التي أكدت بالدليل القاطع بأنها لا تعمل بطريقة جيدة وصحيحة، وزاد الطين بلّة تلك الفوضى الاحترافية التي تجلت بدخول اللاعبين الأجانب بطريقة لم تكن مدروسة، فلم يكد اللاعب ينضم لفريقه حتى نرى غيره في اليوم الثاني حتى بتنا نخاف من أن يتم تغيير هؤلاء اللاعبين بين شوطي اللقاءات.

مسؤولية

دعونا نعترف بأنه لا يمكن أن تتطور سلتنا ما دام عمل أنديتنا غير منتظم وغير واضح، ولن ترى النور والإشراقات ما دامت الأندية على هذه الدرجة من الاستخفاف بمسابقاتنا المحلية التي لم تشهد أي تطور منذ سنوات يتناسب مع التطور الحاصل بمفاصل اللعبة.

غير أنه يسجّل للاتحاد الحالي إقامة دوري تحت ٢٣ وهو خطوة وصفها الكثيرون بالإيجابية لكن هذه المسابقة لم تكن كافية لرأب الصدع الفني الذي باتت مساحته تتسع منذ سنوات طويلة من دون أن تكون هناك حلول جدية له.

حقيقة صعبة

حقيقة لابد أن نقر بها بأن المشهد السلوي الأخير على صعيد أداء ومستوى فرق الدوري كان ضبابياً، ولم يلب الطموح، ولن يسهم في تطوير مستوى لاعبينا، ولا حتى منتخباتنا، وهذا جعل أوراق التوت تسقط عن الكثير من الأندية لتكشف عوراتها وأخطاءها المتراكمة على مدار السنين السابقة، فانكشفت الفقاعات التي عاشت بها جميع الأندية، وثبت بما لا يدعو للشك سوء التخطيط وضعف الرؤية الإستراتيجية لدى القائمين على كرة السلة في هذه الأندية التي لم تفرز أي موهبة منذ سنوات، فاللاعبون الحاليون الذين يعدون بيضة قبان بعض الأندية قد وصلوا من العمر عتياً فهم يتنقلون في كل موسم وآخر بين الأندية وعلى مبدأ (يلي بيدفع أكثر)، ولم تتمكن أنديتنا من العمل على قواعدها بشكل جيد، لذلك أصبحت مستهلكة وغير منتجة، وهناك أندية كانت من أهم روافد منتخباتنا الوطنية وأهم معقل من معاقل السلة السورية وباتت اليوم تحت اسم الاحتراف تلهث وراء التعاقد مع لاعب من هنا وآخر من هناك من دون أن تسعى للعمل على قواعدها بشكل جيد وصحيح.

وماذا بعد؟

أفرزت نتائج دوري تحت ٢٣ سنة عن مواهب وخامات جيدة وموهوبة، وخاصة في أندية الشهباء لكن مصير هؤلاء اللاعبين بات ضبابياً وغير واضح في ظل سلسلة كبيرة وطويلة من التعاقدات، فبات هؤلاء اللاعبون على دكة الاحتياط من دون أن يأخذوا فرصتهم ويثبتوا جدارتهم بتمثيل النادي وكسب فرصة الاحتكاك.

القواعد في خبر كان

يمكن أن تستثني نادي الجلاء من بين جميع الأندية التي تعمل على قواعدها بشكل جيد، فهو حقق لقب بطولة الدوري تحت ٢٣ سنة عن هذا الموسم عن جدارة واستحقاق، وأثبت بأنه مازال مفرخة للنجوم، لكن الحقيقة أن باقي الأندية لم تعد تعمل بشكل جيد واكتفت إداراتها بالبحث عن لاعبين يحققون لها الألقاب من أجل أن يسجل هذا الإنجاز في سجلهم وحتى لو كان ذلك على حساب بنيان النادي من دون أن يكون هناك حسيب أو رقيب على تلك الفوضى الاحترافية التي ستكون نتائجها كارثية بعد موسمين قادمين في حال بقيت مصادر أنديتنا تفتقر إلى المواهب الجديدة.

تطوير المسابقة

حسناً فعل اتحاد السلة حسب بعض المصادر بأنه ينوي اعتباراً من الموسم القادم إلزام الأندية بضرورة المشاركة في جميع الفئات المقررة ضمن روزنامته وأي خلل في أي مشاركة لأي فئة قد يحرم النادي من المشاركة في دوري الرجال، وهذا من شأنه أن يرفع من مستوى الدوري ويزيد عدد المباريات ويسهم في خلق جيل جديد ومواهب مبشرة بمستقبل سلوي جيد.

لكن واقع أنديتنا ليس جيداً وإذا كان تطور كرة السلة سيبدأ من القواعد، فإن المعطيات الموجودة على مستوى المسابقات المحلية غير مطمئن أبداً، وخصوصاً طريقة التعاطي مع فرق القواعد التي أثبتت أن مستواها مازال متفاوتاً، وأكثر ما يحز في النفس أن جميع التحذيرات والتنبيهات التي أشار إليها خبراء اللعبة في الفترات السابقة حول الأخطاء التي وقعت فيها أنديتنا في تعاطيها مع فرق القواعد لديها وطريقة البناء الخاطئة، لم تلق آذاناً مصغية، وكأننا ننفخ في قربة مثقوبة، وبات جل اهتمام أنديتنا هو دعم الفريق الأول، فكان ما كان وأصبح الكابوس الذي كنا نخاف منه واقعاً.

وإذا كانت محطات التقييم متدرجة، فإن أعلى مراحل عمل هذه الأندية هي قواعدها التي تعد حصيلة إستراتيجية ورؤية فنية بعيدة تصيب العمق الفني المطلوب للارتقاء باللعبة، لذلك فإننا نمنح هذه الأندية علامة الصفر، ليس بسبب سوء الاهتمام بالقواعد وسوء نتائجها، وإنما لضعف المسابقات الخاصة بها، وهذا من شأنه ألا يفرز لاعبين من مستوى جيد لفرق الرجال.

مشاكل

إذا كانت مشكلة أغلبية فرق الدوري لدينا ضعف الإمكانات المادية، فإن الأندية الكبيرة الوحدة والجيش والاتحاد والجلاء، والكرامة لا تعاني في حقيقة الأمر هذه المشكلة، وإنما أزمة مختلفة، وهي انعدام إستراتيجية الأمد الطويل، والبحث عن الألقاب المسلوقة، وهذه حقيقة يعرفها الجميع، ويبدو أن هذه المشكلة قد وصلت إلى باقي الأندية التي باتت تسير ضمن خطة.

ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود بل وصلت ببعض الأندية إلى الاتكال على ما ستفرزه الأندية الكبيرة من لاعبين لتضمهم لصفوفها على سبيل الإعارة رغم أنها تمتلك الإمكانات المادية التي تسمح لها بالعمل على قواعدها بشكل سليم وصحيح، ولابد حينها من أن يثمر عملها عن نتائج إيجابية.

فتصوروا أن ثلاثة أندية بالعاصمة، ولا نريد أن نذكر اسمها، سعت الموسم الفائت بكل قوتها لضم لاعب عملاق عمره يتجاوز الأربعين سنة لحل مشكلة الدفاع لديها، من دون أن تفكر هذه الأندية بحلول جدية لمشاكلها باعتمادها على قواعدها والصبر عليها.

وتصوروا أن نادياً كبيراً ضم هذا الموسم سبعة لاعبين تحت اسم الاحتراف فقط من دون أن يلتفت لقواعده ويعمل عليه.

وتصوروا أن نادياً تعاقد مع لاعبين من فئة الشباب من أجل أن يتناسب مع قرار تحديد الأعمار.

آلية غير مدروسة

هذا غيض من فيض فوضى الاحتراف الذي بات ينعكس سلباً على سلتنا بدلاً من أن يطورها، وعلى اتحاد السلة أن يسعى لوضع آلية جديدة يتمكن خلالها من وضع حد لحالة الشطط، وذلك بما يفيد جميع الأندية من دون استثناء، وبما يحقق العدالة في انتقال اللاعبين، وخاصة للأندية الغنية التي تستهلك أفضل اللاعبين حتى لو كان ذلك على حساب إضعاف باقي الأندية.

خلاصة

لن تكون هناك كرة سلة عصرية متطورة لدينا طالما بقيت أنديتنا تسير على هذه الطريقة البدائية بعملها بتطوير قواعد اللعبة لديها، لذلك يجب أن تعي هذه الأندية أن كرة السلة بات شأنها شأن عملية البناء كلما قويت الأساسات ارتفع وارتقى البناء، إلا أن أموال أنديتنا تنفق على طوابقها الأخيرة القائمة على أساسات مهترئة بسبب الآفاق الضيقة للقائمين عليها، ولهاث البعض خلف الوجبات السريعة المسبقة التحضير وعديمة الفائدة والقيمة الغذائية، ورغم وجود من كنّا نظنهم خبراء من أبناء اللعبة في بعض الأندية وخاصة الكبيرة منها، إلا أن واقع التجربة أثبت أن تجاربهم فاشلة وغير ممكنة.

والسؤال هنا: هل ســتعود أنـديتنا لرشدها وصوابها وتنسى الألقاب المسلوقة والتعاقدات الهزيلة وتصب جل اهتمامها بقواعدها وتعتبرها اللبنة الأساسية لعملها، عسى أن تثمر جهودها عن نتائج ستسجل لهم بأحرف من ذهب لا يمكن أن تنسى.

Exit mobile version