عندما يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعليق العمل باتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود فهو يعلم علم اليقين أنه يزعزع الاقتصاد الأوروبي وينقل التخبط والشقاق من شرق أوروبا إلى غربها والذي يحاول جاهداً منع انفلات الأمور من عقالها.
أوكرانيا التي تقف على رأس حربة العداء المباشر لروسيا، تشعر أن محيطها يغرز خنجره بخاصرتها الاقتصادية، عبر القضاء على أكبر مصدر لعائدات النقد الأجنبي لأوكرانيا، حيث يطالب جيران أوكرانيا الغربيون بتمديد الحظر المفروض على استيراد ومرور الحبوب الأوكرانية عبر أراضيهم، وهذا يقضي على المبدأ ذاته الذي استندت إليه حركة أوكرانيا بأكملها نحو أوروبا.
الحظر كان قد فُرِض من قبل حكومات دول الاتحاد الأوروبي بقرار من مفوضيتها في الخامس من أيار حتى الـ 15 من أيلول.
الدول الخمس في أوروبا الشرقية المتاخمة لأوكرانيا: بولندا والمجر وبلغاريا وسلوفاكيا ورومانيا، طالبت بالتمديد إلى ما بعد الـ 15 من أيلول وهذا الأمر سيؤدي إلى خسائر مباشرة لكييف، حيث ذكرت صحيفة «فزغلياد» الروسية أحد أبسط الأمثلة على المنعكسات السلبية لقرار تمديد حظر الحبوب الأوكرانية عبر دول الاتحاد الأوروبي، وهو أنه يوجد في مستودعات بولندا 4 ملايين طن من الحبوب الأوكرانية تم حصادها العام الماضي، وليس من الواضح بعد ما يجب القيام به، فالمستودعات مطلوبة لحصاد العام 2023 والموسم على وشك البدء، وتضيف الصحيفة: «للعلم 4 ملايين طن أكثر بخمسة أضعاف مما وصل إلى الدول الأفقر في إفريقيا من خلال آلية صفقة الحبوب طوال فترة عملها، حيث تظاهرت أوكرانيا والاتحاد الأوروبي بالاهتمام بالأمن الغذائي العالمي، واتهمت روسيا في الوقت نفسه بمحاولة تجويع نصف الكوكب حتى الموت».
وحول هذا التمديد تتذرع الدول الخمس بأن القيود «المؤقتة» تهدف للتخفيف من أثر التدفق الهائل للمنتجات الزراعية الأوكرانية على الأسواق المحلية، وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيسكي: «إما أن توافق المفوضية على إعداد لوائح لتمديد هذا الحظر وإما سنفعل ذلك بأنفسنا» مؤكداً أنه يدافع عن المزارعين في بلاده.
باريس وبرلين ومدريد وعدد من العواصم الأوروبية عارضت تمديد الحظر وحذرت من خطر زعزعة استقرار الأسواق، خاصة أنه بعد انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز القدرات اللوجستية لممراته البرية والنهرية التي تتيح له نقل هذه الحبوب عبر أوروبا.
صمود الاقتصاد الروسي أمام الإجراءات الغربية والعقوبات نجح في إحداث تصدعات عميقة في بنية الاقتصاد الأوروبي الذي يحاول فتح قنوات اتصال مع موسكو، فالاقتصاد الروسي مبني على أساس اقتصادٍ حربي على عكس الاقتصاد الأوروبي، وبالتالي فإن الانقسام الاقتصادي الجوهري في أوروبا سيتحول عاجلاً أم آجلاً إلى خلاف سياسي وبالتالي انقسام يؤثر في الاتحاد الأوروبي كتكتل ضخم له وزنه العالمي.