Site icon صحيفة الوطن

القربة المثقوبة

تعود الأزمة السورية لتأخذ طابع التعقيد مع استمرار النهج الأميركي في عرقلة أي خطوة باتجاه حلحلتها، ما يجعل من جهود الحل وكأنها تصب في قربة مثقوبة، ما إن تدخلها حتى تخرج منها، عائدة إلى نقطة الصفر، والعودة إلى الصفر في السياسة، يعني المزيد من التعقيد والتشابك.

شهدت المرحلة السابقة منذ مطلع العام الحالي تحولات مهمة على صعيد الحل لملف الأزمة السورية، بدءاً من التقارب العربي مع دمشق، وصولاً إلى الحوار مع تركيا بغية التوصل إلى تفاهمات مهمة تمكّن من عودة العلاقات السورية – التركية، وصولاً إلى التطورات في ملف عودة اللاجئين السوريين، وغيرها من الملفات العالقة ذات الصلة.

مع كل تقدم في حل أي من الملفات السابقة، كان الحضور الأميركي سريعاً وعلنياً في عرقلته، إذ بات من الواضح كبح العرب عن التقدم نحو سورية للمساعدة في حل أزمتها، إذ ترافق التقارب العربي مع دمشق بحضور وزير الخارجية الأميركي لاجتماع مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، والخروج ببيان مشترك حينها، أكدوا فيه على التزامهم بوجود القوات الأميركية غير الشرعية في سورية وعلى التزامهم بالقرار الدولي 2254، ولكن ما لم يفصح عنه البيان صراحة، هو الالتزام بالعقوبات الغربية على سورية.

إن الكبح الأميركي للمسعى العربي الإيجابي تجاه دمشق بدأ يتضح مؤخراً بعد زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد، إذ يبدو أن الصفدي قد جاء بمطالب سمع جواباً عنها تكرره دمشق دائماً، بأنها لا تسمح لأحد التدخل بشؤونها الداخلية والسيادية، وهذا الموقف السوري منسجم مع تقدير دمشق لتطور الموقف العربي تجاهها، بأن مجرد العودة العربية إليها يعد اعترافاً بالخطأ وهي لا تنتظر اعتذاراً من أحد.

بناء على ما سبق يمكننا التقدير بأن التقارب العربي مع دمشق معطل على الأقل في المرحلة الحالية، بفعل الضغوط الأميركية الغربية على تلك الدول، وهو ما أشار إليه ضمناً وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، عندما عبّر من طهران عن أمل دمشق بألا يخضع العرب للابتزاز الغربي بشأن العلاقة مع سورية.

في جانب متصل، يبدو أن ملف التقارب السوري – التركي بات معطلاً أيضاً، مع تعنت النظام التركي وتمنعه عن الانسحاب من الأراضي السورية التي يحتلها، وهو ما وضعته دمشق شرطاً أساسياً ولازماً لعودة العلاقات مع أنقرة، إذ إن وصف موقف النظام التركي الحالي بالمتعنت جاء في متن البيان الصحفي الذي نشرته الرئاسة السورية على معرفاتها في مواقع التواصل الاجتماعي، حول لقاء مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف الرئيس بشار الأسد خلال زيارته إلى دمشق الشهر الفائت.

كذلك على صعيد ملف عودة العلاقات مع تركيا، يشير العديد من التقارير الإعلامية إلى ما يمكن وصفه بتبادل مصالح بين النظام التركي والنظام الأميركي، من حيث موافقة أنقرة على نقل مسلحين من ميليشياتها في إدلب ومحيطها إلى الحدود السورية العراقية حيث توجد قوات الاحتلال الأميركية.

بناء على ما سبق يمكننا التقدير بأن ملف عودة العلاقات السورية – التركية، معطل، بفعل التخريب الأميركي، وبفعل تعنت النظام التركي الذي يرفض حتى الآن الانسحاب من الأراضي السورية التي يحتلها، ويبقى الأمر منوطاً بدور كل من روسيا وإيران في الضغط على النظام التركي لاتخاذ خطوات إيجابية في هذا الملف، ويمكن أن تتضح نتائج ذلك في اجتماع أستانا القادم.

يترافق مع سبق، مع تحركات عسكرية أميركية في شرق سورية انطلاقاً من مثلث الحدود السورية – العراقية – الأردنية، وصولاً إلى الحدود السورية – العراقية – التركية، ويتزامن ذلك مع تحركات للبحرية الأميركية باتجاه الشرق الأوسط وتدعيم لقوات واشنطن المنتشرة في المنطقة، الأمر الذي يثير الكثير من الهواجس ويجعل المنطقة تغلي على المرجل الأميركي، الذي يزداد استعاراً مع تضييق الخناق الروسي على كييف، ما يثير القلق من خطة «ب» الأميركية في سورية للتخفيف عن أوكرانيا.

كل ما سبق يجعل من ملف حل الأزمة السورية قربة مثقوبة، ما إن تصب فيها جهود الحل، حتى تخرج منها عبر الثقب الذي صنعته واشنطن وتعمل على توسيعه.

Exit mobile version