Site icon صحيفة الوطن

مؤسسات بأكملها تعـاني استفحال ظاهرة «الغـباء»!

تعـاني المؤسسات (إنتاجية أم خدمية)؛ كثيراً من الأعـباء؛ عـلى رأسها العـنصر البشري؛ وقد تبادر لذهني موضوع «الغـباء البشري» وهو عـنوان كتاب للمفكر الإيطالي كارلو شيبولا نشره 1976 بالإنكليزية؛ ثم 1988 بالإيطالية بعـنوان (Allegro ma non troppo بسرعـة ولكن ليس كثيراً)؛ وتصدّر قائمة أفضل الكتب في كل اللغـات الـ(16) التي نشر بها، وطبع بدايـةً بنسخ محدودة للذين يتعـيـّن عـليهم التعـامل مع أولئك الأغـبياء!

لدى استهلال الكتاب؛ يراودك شعـور أنه مقطوعـة ساخرة؛ ثم تجد أنه عـمل جدي؛ بتحليل رصين؛ وتسير بقراءة ممتعـة عـلى العـكس من عـلم الاقتصاد المضجر! سننسى فحوى قوانين آدم سميث؛ وغـيرها؛ في حين قوانين شيبولا سترسخ بأذهاننا..

يتحدث الكتاب عن «محاولة للكشف عن القوى السلبية» التي تسيّر البشر، نرى عـلى رأسها «الغباء»، فيرى أن الجميع دائماً يقللون من حجم الأغـبياء العددي وضررهم في شركة ما، ولكن الحقيقة الثابتة أن عددهم أكثر مما يتصور أحدنا، ويجب ألا ننظر إلى الأغبياء نظرة فوقية، فهم في الأغلب يسهمون في اتخاذ الكثير من القرارات المؤسساتية.

يوصف الغبي بأنه شخص يؤذي مؤسسته وزملاءه، وربما نفسه، من دون أي مصلحة له، فهو غير قاطع الطريق الذي يحقق (وافقنا أو لم نوافق) مصلحة له، في حين الأغبياء يؤذون الآخرين من دون مكسب، بالتالي يلحقون بالبشر الكثير من الأضرار. الغبي يعمل ضد مصلحته ومصلحة الآخرين، والأغبياء هم مجموعة غير مرتبطة وغير منظمة، وليس لها زعيم، مثل الجماعات المنظمة أو المؤدلجة، مع أن بمقدورهم أن يعملوا بانسجام كما أن يداً خفية توجههم، ويسهم نشاط كل عضو في الجماعة في تعزيز وتعظيم فاعلية نشاط الآخرين، أي إن نتائج أعمالها «متساندة» ودون أن يقصدوا ذلك!

ليس للغباء علاقة بمكان الميلاد ولا الطبقة الاجتماعية ولا مستوى التعليم، ولا لون البشرة… فهو يتقاطع مع الجميع، فاحتمال أن يكون الشخص غبياً: سمة مستقلة عن أي سمة أخرى يتصف بها الشخص، كما أن الغباء معطى «طبيعي» مثل توزيع البشر بين النساء والرجال، ففي الأخير نجد أن النسبة متقاربة في أي مجتمع بشري ندرسه، وكذلك الأغبياء. لا يعطي العـلم رقماً لنسبة الأغبياء في المجتمع، ولكنه يؤكد أنهم أكثر من أي تصور متاح!

مقولة «إن الأغبياء لا حصر لهم»، فالأغبياء يظهرون بمؤسستنا فجأة وعلى نحو غير متوقع، وفي أقل الأماكن ملاءمةً وغير متوقعة، وفي أقل الأوقات توقعاً، وفي كل الأقسام (هندسي- موارد – مشتريات… الخ).

تتوقف القدرة على إلحاق الأذى بالآخرين من الغبي على عاملين:

الأول: العامل الوراثي، فبعض الأشخاص يحملون «جرعة استثنائية» من موروث الغباء.

الثاني: موقع السلطة الذي يشغله الشخص «الغبي»، والأهمية التي يتمتع بها في مؤسسته، فكلما ارتفع موقعه زاد الأذى الذي يمكن أن يقوم به.

وسنرى «أنه دائماً ما يقلل غير الأغبياء قدرة الأغبياء على إلحاق الأذى، كما أنهم يتجاهلون أن التعامل مع الأغبياء خطأ فادح»، لأن الشخص الغبي هو أشد الناس على الإطلاق خطراً، هو أخطر من اللص وأخطر من القاتل، وحتى أخطر من النكبات الطبيعية.

المؤسسات المتقدمة يقودها بالضرورة الأذكياء، وبعضها تقوم الإدارة ذاتها «بتفريخ الأغبياء»، لأنهم يساعدونها على التحكم في المنشأة!

عالمنا اليوم هو الصراع بين الأغبياء الأكثر عدداً والأذكياء الأقل عدداً، وكلما تغلبت المجموعة الأولى على الثانية غرقت منشأتنا في الخسائر، لأنه حتى الفكرة الجيدة عندما تدخل عقلاً غبياً تنفذ بشكل غبي يشبه حاملها.

تساؤلنا: لماذا توجد نسبة ثابتة من الأغـبياء لا تتغـيــّر عـبر الزمان والمكان والمهنة والرتبة الوظيفية؟

حل اللغـز: إن الطبيعـة تود كبح جماح الأمور بتخفيض سرعة التقدم؛ وإبطاء نجاح الأعمال؛ ومنع الناتج المحلي الإجمالي من الارتفاع المطرد، لئلا يتأجج الاقتصاد.

يبذل عـلماء الوراثة والأحياء قصارى جهدهم لإثبات أن البشر متساوون؛ ولكن أثبتت سنوات طويلة من الملاحظة والتجربة أنهم ليسوا كذلك: بعـضهم أغـبياء والباقي ليسوا كذلك؛ والطبيعـة هي التي تحدد الاختلاف!

يولد المرء غبياً قضاء وقدراً: كما لو أن له شعـراً أشقر؛ وينتمي لمجموعـة الأغـبياء كما ينتمي لزمرة دموية ما.

قامت مؤسسة بحثية في مؤسسـة جامعـية ما بتحليل وضع العـمال والموظفين؛ الياقات البيض والزرق والاستشاريين والأساتذة والإداريين والطلاب المتدربين؛ اتضح أن الجزء (غ) نسبة الأغـبياء؛ فلا نلقي اللوم عـلى الجهل أو الفقر، [نفس النسبة بين الأساتذة وباقي الشرائح]؛ وتم توسيع النسبة ليشمل نخب حقيقية من الحائزين عـلى جائزة «نوبل»، ولوحظت نفس النسبة (غ) من الأغـبياء!

لا ننسى بالختام أن الغـبي هو من يكبـّد الآخر خسائر؛ وبغـالب الأحيان دون أن يحقق لنفسه أي مكاسب (بل قد يتحمـّل خسائر)!

Exit mobile version