Site icon صحيفة الوطن

سيناريوهات متوازية

التطورات الراهنة في الملف السوري تضعنا أمام جملة من السيناريوهات سواء التصعيدية منها أم سيناريوهات التهدئة والحلحلة، والتي يمكن وصفها بالمتوازية على اعتبار أن احتمال حدوث أي منها نسبته 50 بالمئة، مما يجعلها جميعاً قابلة للتحقق أو العكس في الوقت ذاته، وهو ما يعمّق حالة اللا استقرار.

على صعيد التصعيد، ففي وقت تشهد المنطقة الشرقية من البلاد تصعيداً أميركياً، وسط تحركات عسكرية أميركية، وشائعات عن حرب افتراضية جبهاتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تشير عناوينها إلى سيناريو عدوان أميركي هدفه على الأقل إغلاق البوابة السورية على العراق عند مدينة البوكمال، وهذا السيناريو يصطدم بأحداث تشير إلى أن الذهاب فيه أكثر يعني دفع سورية وحلفائها لخلق تهديد مباشر للوجود الأميركي في منطقة شرق الفرات، وهو ما تشير إليه كثرة الاستهدافات التي تتعرض لها القواعد الأميركية هناك وسط حديث متصاعد عن تفعيل للمقاومة الشعبية في المنطقة، بالترافق مع ازدياد الاحتكاكات الروسية – الأميركية في سمائها.

في الوقت ذاته، إن أنباء الحرب الإعلامية المستعرة تتحدث عن سيناريو أكثر تشاؤماً، مفاده أن دول العدوان على سورية بزعامة واشنطن تسعى لرسم حزام احتلالي يمتد من القنيطرة في أقصى جنوب غرب البلاد إلى القامشلي في أقصى شمال شرق البلاد، وهو سيناريو غير منطقي نظراً لأنه لا يحمل التهديد لسورية فقط، بل هو في سياق صراع دولي أوسع وأعمق، لكونه ذا تأثير وجودي مباشر على مصالح القوى الدولية والإقليمية الكبرى في المنطقة من روسيا إلى الصين وإيران وتركيا.

هناك سيناريو آخر للتصعيد على جبهة أخرى وهي جبهة شمال غرب البلاد، إذ إن مؤشرات تعمّق الشرخ الروسي – التركي تزداد، مع انسحاب النظام التركي من تعهداته لموسكو فيما يخص ملف تقارب أنقرة مع دمشق بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية، وما تبعه من إلغاء موسكو لاتفاق الحبوب، ما زاد التشنج الذي انعكس في سورية على شاكلة استهداف الجيش العربي السوري وحليفه الروسي لمواقع التنظيمات المسلحة في إدلب، في وقت يطالب فيه النظام التركي بوضع محافظة حلب السورية تحت وصاية دولية بذريعة إعادة اللاجئين السوريين إليها، إذ إن ملف اللاجئين سيكون أداة حزب العدالة والتنمية لكسب الانتخابات المحلية التركية القادمة واستعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة.

على صعيد التهدئة والحل، فإن عقد اجتماع جديد للجنة المتابعة العربية في القاهرة بحضور وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، وما عقده المقداد من اجتماعات ثنائية مع نظرائه المصري والسعودي والأردني، في ظل أجواء إيجابية من المتوقع لمس نتائجها قريباً، يجعل من سيناريو التهدئة والمضي قدماً في ملف حل الأزمة السورية سياسياً، سيناريو محتمل التحقق بنسبة موازية لنسبة سيناريو التصعيد، خصوصاً أن وصف وسائل الإعلام السورية للأجواء بالإيجابية هو مؤشر على أن الخطوات المطروحة هي في سياق الجو العام لرؤية دمشق للحل وآليات تنفيذه، وهذا يقطع الطريق على محاولات الإيحاء بأن العلاقات العربية – السورية قد عادت إلى مرحلة القطيعة.

بالترافق مع الأجواء الإيجابية في العلاقات العربية – السورية، فإن الأجواء أكثر إيجابية بين حليف دمشق الوثيق إيران والسعودية، وهو ما كان واضحاً في زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى المملكة ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان، والاتفاق على استعادة العلاقات السياسية والاقتصادية كاملة، وسط ترقب لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الرياض، وقبول محمد بن سلمان دعوة إيرانية لزيارة طهران قريباً، هذه الأجواء الإيجابية كان سبقها تفاهم إيراني- أميركي نتج عنه إفراج الأخيرة عن أصول إيرانية مجمدة بقيمة 6 مليارات دولار أميركي، وهو مبلغ لن تفرج عنه واشنطن مقابل الرهائن الخمسة فقط، بل يمكن التكهن بأنه من ضمن تسوية إيرانية- أميركية أكبر وأشمل، وأن الرهائن كانوا غلافاً خارجياً له، وهو ما يجب أن ينعكس إيجاباً على ملف حل الأزمة السورية.

إن المؤشرات السابقة، تجعل ملف التهدئة والحل موازٍ لملف التصعيد، فكلاهما يمتلك نسبة تحقق متساوية، إلا أن التشابك والتعقيد بين ملفات المنطقة وملفات صراعية دولية أخرى بدءاً من أوكرانيا وصولاً إلى إفريقيا وبحر الصين الجنوبي، يجعل من التكهن بتحقق أي منهما أمراً بالغ الصعوبة والتعقيد، ومن ثم يمكننا القول إن كل منها يحمل نسبة تحقق تساوي 50 بالمئة، وأن أي موقف أو تبدل في المعطيات أمام صانعي السياسة قد يغير هذه النسب، ويجعل أي سيناريو منها محققاً، لكن الثابت الوحيد أن سورية كانت وما زالت متمسكة بوحدتها واستقلالها وسيادتها وستبقى تدافع عنها.

Exit mobile version