Site icon صحيفة الوطن

وميض الثقافة

إنها الثقافة، أو وميض المعرفة الخلاقة، ومشكاة نورها الحالم حيناً، والمضاء بأفعالٍ متألقةِ الحرف حيناً آخر..

إنها الثقافة وبحارها المتلاطمة، وقوارب الإبحار إليها عبر أفق الحرف، أفق الكلمة وبنيتها اللغوية، وجادّتها الفكرية والجمالية..

إنها الثقافة، بحر متلاطم الجمال الإنساني، ذلك الجمال الفكريّ، الذي يجب أن يرفد الذوات الإنسانية بشيءٍ من الرقيّ، وأشياء تحرّر العقل من قيود القولبة بقيود، ما زالت تحرّره من الاستكانة لفعلٍ ما، إن لم يكن مدروساً على المستوى الفكري والثقافي والأخلاقي، وربّما الإنساني، وهنا تتجلى الثقافة بأسمى معانيها، عندما تضع بين ناصيات فعلها، وما ستفعله من أحقّيات الشيء الإنساني والوجداني، أحقّيات الشيء المثالي، الذي لا بدّ من الاهتداء إلى وهج نوره وأنواره، وإلى الشط الثقافي الأوّل. وهنا، يجب أن ندور، ونتمحور حول مفهوم الثقافة، مفهوم الجوهر، الذي لا يمكن الاستغناء عنه، جوهر الالتفات الفكري المستوثق العُرى، حول كل ما يخدمنا، وما يمكن له أن يؤسّس لحالة من الثقافة الممزوجة بالرقي الإنسانيّ أولاً وأخيراً. ‏

إنها الثقافة، مشكاة حلمٍ واعٍ، عرفته الشعوب منذ أقدم الأزمنة، وعرفت التفرّعات النبيلة، التي تنطلق من أقطابها الراقية الشكل والمضمون، الراقية التجذّر في حرفية النبض الأدبي، النبض الشارد روايات وأوزاناً حالمة التعقّل، حالمة المغزى الفكري، المغزى الحقيقي، الذي يتجوهر حول المبتغى ذاته، هذا المبتغى المرجوّ نهجه، وانتهاج شيءٍ منه.. ‏

إنها الثقافة، ولا بدّ أن نستركن على حدود بحرها الواسع، بين مفصّلات العقل ومدركاته، وحتميات الفعل الثقافي، الذي يجب أن يحاط به، ذلك الفعل الذي لا يمكن أن يأتي إلينا، إلا عبر كلّ ما نمتلك.. ‏

يجب أن تؤهل عقولنا بتلك البُنى المعرفيّة، التي تخدم الجوهر الإنساني، وتشعُّ مشكاة المعرفة الإنسانية بجوانبها المختلفة، بجوانبها التي تصل إلى اللامحدودية في التفكير السامي، الذي يجب أن ننشد، وأن نمتهن، من ثمّ، فنّ قيادة تفكيرنا نحو ما هو أصوب، وما هو جدير بأن نرتهن إليه، ويرتهن إلينا، هنا تظهر حقيقة الثقافة، وكأنها التثاقف الفعليّ لِمَا نريد الاهتداء إلى نهجه، إلى نبراسه، أو تلك الشعلة، التي وُجدت منذ أقدم الأزمنة على شطّ العبقرية، شطّ الثقافة والتثاقف الراقي، لِمَا نريد أن نقول، وأن نكتب، وأن نفعل، وأن يفتعل بنا، وأن تفتعل ثقافته في مجرى حياتنا؛ حيث يبقى النبض الثقافي المرتجى، هو المكوّن الجوهريّ والعام لِمَا نريد التفكر به.. ‏إنه وميض الثقافة الحقّة، يُستعلى شأنه، إذا ما أردنا نحن أن نستعلي من هذا الوميض وهذا الشأن، وهذا لا يتأتّى حقّاً من كلاميّات في الأدب، ونظريات في الثقافة، تُلقى في أمكنة، لا تطيب بها فنون الإلقاء، أو تنثر مع الريح، ومن ثمّ، لا يأتي من هذه النثريات الكلاميّة، التي تتجسّد كذلك في باطن الأمر، أو المسوّغ الثقافي، وفي ظاهره؛ حيث لا زبد أدبيّاً ثقافيّاً، كان المرتجى وجوده، والفيض ممّا يمتلك، وانتهاج حكمته الواعية المرجوّة، التي يجب أن نبحث عن ماهيّة تثاقفها، وحدوث فكرتها، التي تتبلور بدقّة التمحيص عن ذاك الوميض، الذي يتوجّب عنه من أجل التسامي به، والتعالي من خلال مقوّماته الآنفة الذكر.. ومن أجل التسامي به، حتّى يجتبى الوميض الثقافي، ويفتعل بنا، ونفتعل به، ويشكّل تلك الشعلة المعرفيّة؛ حيثُ نكون جزءاً لا يتجزأ من ذلك المبتغى المعرفيّ، الذي نريد، والذي نسمّيه، أو يسمّى الوميض الثقافي السامي.

Exit mobile version