Site icon صحيفة الوطن

في سلتنا الوطنية.. غياب الدوري القوي وإدارات غير رياضية تقود أنديتنا … الخبرات مازالت مبعدة والمطلوب الحد من تضخم أعمار اللاعبين

على الرغم من الإثارة والقوة والحضور الجماهيري الذي شهدناه في دوري المحترفين الموسم الماضي، فإن ذلك كان على حساب المستوى الفني للعبة بشكل عام، وأكبر دليل على صحة كلامنا عدم جاهزية لاعبي منتخبنا الوطني الذين شاركوا في التصفيات الآسيوية الأخيرة لا فنياً ولا بدنياً رغم أن المدة الزمنية كانت قصيرة بين مباريات الفاينال وتحضيرات المنتخب، ما يعني أنه يتحتم عليهم أن يكونوا في قمة العطاء، لكنهم للأسف ظهروا بمستوى متواضع وبصورة هزيلة وهذا دليل على أن دورينا مازال يفتقد الفائدة الفنية الكبيرة التي لو توافرت لكان من شأنها أن تنعكس إيجاباً على جميع مفاصل اللعبة.

ليس معقولاً

لا يمكن أن نتخيل في يوم من الأيام أن يصبح المريض طبيباً ليسأل عن طريقة علاجه وشفائه، ولا أن يكون الداء هو المفوض باختراع الدواء الخلاص والبرء منه، ولمن يظن بأن الفساد هو فساد الرشوة والاختلاس والمصالح الشخصية فهو واهم، فتولية الأمور لغير أهلها مشكلة، في رياضتنا عموماً، وسلتنا على وجه الخصوص، ثمة أسئلة تخطر على البال عن أسباب تراجع مستوى منتخبات السلة منذ سنوات طويلة، ولقد مللنا من ذكرها بأن سببها غياب جيل من اللاعبين النجوم، وعدم قدرة الاتحادات والأندية على خلق البديل، إضافة إلى ضعف الإمكانات المادية، وعدم قدرة منتخباتنا على التحضير المثالي المناسب، هذا الكلام بات من البديهيات، وكل يوم يتحفنا البعض به حتى وصلنا إلى مرحلة كبيرة من الملل، لكن هناك أسباب لم يأت أحد على ذكرها كثيراً، وربما كانت هي الحلقة الأهم في عملية التطوير لسلتنا.

إدارات غير رياضية

يقود أغلب الأندية السورية أشخاص غير رياضيين وباتوا من أصحاب القرار يصولون ويجولون كيفما يشاؤون لا لشيء سوى لأن الانتخابات أوصلتهم إلى مركز صنع القرار، إضافة إلى وجود فريق آخر من أصحاب رؤوس الأموال والداعمين الذين فرضوا أنفسهم بقوة في السنوات العشر الأخيرة حتى باتوا بأموالهم يتحكمون بمصير لاعبين دوليين لا بل تم تعيينهم مديرين لمنتخباتنا الوطنية ليس لخبرتهم وإنما بسبب سخيهم ودفعهم الأموال في سبيل السفر وترؤس البعثات، كل ذلك كان له انعكاسات سلبية على أنديتنا في لعبتي القدم والسلة، طبعاً نحن لسنا بوارد التقليل من أهمية وجود هؤلاء الداعمين فالرياضة من دون مال لن تتطور لكن وجودهم لا يعني أن يكونوا أصحاب القرار، فمكانهم يجب أن يكون على المنصة ومع ألف كلمة ترحيب بشرط عدم التدخل في الشؤون الفنية، أما النوع الثالث من هذه الكوادر فهم أصحاب الخبرة الذين باتوا مبعدين بنسبة كبيرة عن واقع العمل والسبب وجود من ليس له علاقة بالرياضة ضمن هذه الأندية، وبالمجمل هذا الواقع لا يمكن أن يكون عمله صحيحاً رغم وجود الأموال بسبب غياب التخطيط السليم والتنفيذ الدقيق، لذلك رياضتنا لن ترى النور ولن تتطور ما دامت سائرة بطريقة فوضوية من دون هدف.

حقائق ملموسة

على ضوء ما ذكرناه يعرف القاصي قبل الداني أن سلتنا الوطنية بجميع مفاصلها لا تعيش حالة مثالية، لأن لا شيء مثالياً في رياضتنا، ولن تبشر بالخير لأنها تفتقد ألف باء أبجديات علم كرة السلة الحديثة وباتت تعيش على الطفرات هنا، وأخرى هناك، ودعونا نكون صريحين لدرجة كبيرة، ونعترف بأن سلتنا الوطنية ليست في أحلى أيامها رغم بعض الإشراقات الأخيرة، لكنها لا يمكن أن تجعلنا نتفاءل كثيراً لأننا على دراية بأن اللعبة تمر في أسوأ مراحلها، ورغم أنها حظيت ببعض المخلصين ممن بذلوا جهدهم بما توافر إليهم من وسائل، فبدت عملية الحفاظ على ما تبقى من أشلاء سلتنا أشبه باستخراج الماء بعصر الصخر.

ورغم ذلك مازالت بعض مفاصلها بحاجة إلى إعادة نظر ولن تنفع معها أي تغييرات جديدة لأنها بحاجة إلى تغيير آلية العمل بدءاً من واقع الأندية وانتهاء بتحضيرات المنتخبات الوطنية.

صناعة خاطئة‏

تبدو مشكلة ترهل أداء أغلب لاعبينا وضعف مستواهم انعكاساً لما يحدث في أنديتنا التي يفتقد معظمها عوامل الاستقرار الفني والتدريبي، فهي تعمل بأغلبيتها بشكل عشوائي بحت لا يمكن أن يأتي بشيء جديد، فيتم تكليف مدربين من الشباب مازالوا يرتدون قميص النادي، ولم يلامسوا طريق النجومية كمدربين على فرق القواعد، وهم بالأصل يفتقدون أبجديات كرة السلة الحديثة من دون أن يتم تأهيلهم بدورات تدريبية عالية المستوى، وما يحصل لدينا يتم بناء براعم السلة بطريقة عرجاء وعوجاء ما يفرز بعد سنوات قليلة جيلاً سلوياً غير ناضج، وأكبر مثال ما شاهدناه في المواسم الفائتة الأخيرة من أداء لبعض اللاعبين الذين ارتكبوا أخطاء تعد من بديهيات كرة السلة لا يرتكبها لاعب في فريق أشبال، وهنا يأتي دور اتحاد كرة السلة في التوجه لجميع أنديتنا بعدم تكليف أي مدرب ما لم يكن مؤهلاً بدورات تدريبية جيدة تؤهله لقيادة فرق القواعد، إضافة إلى العمل على إقامة دورات تدريبية مستمرة وإلزام جميع مدربينا الوطنيين الكبار قبل الشباب على اتباعها لكي يكونوا على تواصل دائم ومستمر مع آخر تعديلات علم التدريب الحديث.

مستويات هابطة‏

لم يستفد القائمون على أمور سلتنا منذ سنوات طويلة من تجاربهم الماضية، وفي كل موسم يقعون في الخطأ نفسه، حيث كشفت مباريات في دوري الرجال الموسم الفائت المستوى الحقيقي لبعض اللاعبين الذين لم يؤهلهم مستواهم الفني حتى للجلوس على دكة البدلاء، وكلنا أمل في قرار تحديد الأعمار الذي أقره في السنوات الأخيرة اتحاد السلة السابق وإعادة العمل فيه مجدداً لأنه سيغني أنديتنا بلاعبين شباب من مستوى عال، ونستغني عن بعض عواجيز السلة السورية الذين باتوا يشكلون عبئاً ثقيلاً على أنديتنا من دون أن يقدموا شيئاً جديداً.

دوري أم إعداد

اختلف الكثير من خبراء اللعبة حول أسباب تراجع مستوى ونتائج منتخبات السلة، فمنهم من أكد على أن الدوري القوي لابد أن يفرز منتخباً قوياً، فيما ذهب الآخرون في اتجاه آخر من أن طريقة تحضير المنتخب المثالية، وتأمين مباريات ودية قوية هي السبيل الوحيد لبناء منتخب قوي، وأعطوا دليلاً واضحاً على أن منتخب الأردن تمكن من التأهل للنهائيات العالمية وهو لا يملك دورياً قوياً.

لا شك أن الدوري القوي من الناحية الفنية وليس الإعلامية يفرز منتخبناً قوياً، غير أننا ومنذ سنوات لم يكن لدينا دوري نعتمد عليه، حيث تمكن اتحاد السلة من البقاء على رونق اللعبة، والمحافظة عليها، واقتصر عمله على نظام دوري متواضع غابت عنه النكهة التنافسية التي كانت تشهدها صالاتنا في السنوات الماضية، عندما كان للاعب الأجنبي مكانة مرموقة ساهمت في رفع مستوى اللاعب المحلي الذي استفاد من فرصة الاحتكاك معه، لكن ضعف مسابقاتنا كان له نتائج سلبية على إعداد لاعبنا الوطني، الذي غابت عنه المباريات القوية، ولم يتمكن في الوقت ذاته من تأمين تحضيرات مثالية لمنتخباته، لكن بدأت تلوح بالأفق ملامح انفراجات كثيرة على صعيد الوصول لدوري قوي بعدما تم إقرار وجود اللاعب الأجنبي الذي سيعطي للمباريات نكهة جميلة ومنافسة قوية، إضافة إلى أن الاتحاد بدأ يعمل على موضوع الرعاية وتأمين المناخات الملائمة لمنتخباته في تحضيراتها، ما يجعلنا نتفاءل بمرحلة مفعمة بالنتائج الجيدة.

انتبهوا لصلاحية اللاعبين

كم تمنيت لو أن الاتحاد الرياضي العام لديه مديرية مماثلة لمديرية المواصفات والمعايير الموجودة في وزارة الاقتصاد والتي تنحصر مهمتها في بيان مطابقة المنتج للمواصفات المطلوبة ومدة انتهاء صلاحيته، فلو كان لدى كرة السلة مثل هذه المديرية لمنع عدد كبير من طواويس كرة السلة المشاركة مع أنديتهم بعد أن تحولوا إلى طفيليات على فرقهم وزملائهم وبعد أن ثبت انتهاء مدة صلاحيتهم ولأن بقاءهم في الملعب لجمع الدراهم ليس إلا وبأن سقوطهم ووساطتهم هي المبرر الوحيد لبقائهم ضمن فرقهم ولو كان على حساب المواهب الشابة ولو كان الأمر على حساب مصلحة الفريق، فما نشاهده هذا الموسم من انتهاء صلاحيات بعض من الذين كانوا يظنون أنفسهم نجوماً والذين وصلوا من العمر عتياً وما زالوا على رأس تشكيلات فرقهم، ولا بد لاتحاد السلة أن يحدد معدل أعمار اللاعبين لديه حتى ننتهي من هؤلاء العواجيز في سلتنا الوطنية.

خلاصة‏

أنديتنا غنية بالمواهب والخبرات القادرة على العطاء لكنها مازالت في زوايا مهملة ومبعدة لغايات ومصالح شخصية، والمطلوب كيفية تخديم هذه الخبرات، والتعاطي معها وفق منهجية علمية بعيداً عن الارتجال الذي لا يزال عنواناً بارزاً لأسلوب أنديتنا، مع توافر النيات الصادقة، وقتها فقط نستطيع أن نؤسس لانطلاقة قوية ولمرحلة أكثر إشراقاً

Exit mobile version