Site icon صحيفة الوطن

عندما تحارب الولايات المتحدة نيابة عن الكيان

مع انتشار سطور هذا المقال تكون عملية «طوفان الأقصى» قد دخلت يومها الثالث عشر، أي ما يقارب أسبوعين، شهدنا من خلالها تغييراً لقواعد اشتباك أظهرت مدى حقيقة هذا الكيان الهش الذي تم زرعه في المنطقة منذ عام 1948، بدعم بريطاني غربي ما لبث أن انتقل هذا الدعم إلى الإدارة الأميركية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات.

لكن المتابع لتطور هذين الأسبوعين يلحظ أن الدعم الأميركي للكيان تمثل في جوانب متعددة سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية، خاصة أن الصفعة التي تلقاها الكيان وحالة الصدمة التي دخل فيها، لم تمسا بمكانته الإقليمية فحسب، بل مستا وطالتا هيبة الولايات المتحدة الأميركية نتيجة اعتبارات عدة، أبرزها التنسيق الأمني والاستخباراتي والعسكري المشترك، وطبيعة إنتاج المجمعات الصناعية العسكرية المشتركة، وهو ما يفسر تحرك مسارات الدعم الثلاثية السياسية والعسكرية والاقتصادية المشتركة تجاه الكيان من الإدارة الأميركية، نتيجة أهداف ودوافع عدة قد يكون أبرزها رغبة الإدارة الديمقراطية الحالية باستجلاب دعم اللوبي الصهيوني في الانتخابات الرئاسية المقبلة ضد الجمهوريين، إضافة للحفاظ على تفوق هذا الكيان وإبقائه ضمن الخريطة الإقليمية لتنفيذ أهداف جيواستراتيجية غربية.

زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ومن ثم وزير الدفاع لويد أوستن، قبل الإعلان عن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة من دون تحديد هدف واضح لهذه الزيارة سوى تحقيق وإعلاء المصالح الخاصة بالكيان، حتى إن التحليل الواقعي يؤكد أن بايدن اضطر لإجراء هذه الزيارة بعد فشل بلينكن في تنفيذ أهداف زيارته المتمثلة في إدانة الفصائل الفلسطينية المقاومة ولاسيما حركة حماس، وتبني مشروع التهجير الفلسطيني من قطاع غزة تمهيداً لتصفية القضية بأكملها ومعالجة ملف الأسرى واستعادتهم قبل انتهاء العدوان لعدم منح الفصائل المقاومة ورقة ضغط قوية للمساومة في مرحلة ما بعد الحرب، والأهم من ذلك إرسال رسالة للدول الإقليمية وخاصة لمحور المقاومة بعدم فتح جبهة ثانية لتخفيف حدة العدوان على غزة، لذلك فإن حصول هذه الزيارة يعد سابقة أولى من نوعها بالنسبة للرؤساء الأميركيين في زيارة الكيان أثناء فترة حرب، وهي تحمل الأبعاد التالية:

أولاً – إنجاز مصالحة مباشرة بين رئيس حكومة بنيامين نتنياهو وبايدن بعد فترة خلافات شهدتها العلاقة بين الشخصين خلال السنوات الماضية، ما دفع بايدن في مرحلة معينة، لدعم لابيد- غانتس في الوصول للسلطة وإبعاد نتنياهو عن رئاسة الحكومة.

ثانياً- التأكيد المطلق على الدعم غير المحدود للكيان الإسرائيلي من الإدارة الأميركية، ما جعلها مشاركة فعلية سواء من خلال إرسال حاملات الطائرات أو نشر الطائرات الحربية في المنطقة أو فتح جسر جوي مباشر من واشنطن إلى تل أبيب أو إرسال ٢٠٠٠ مقاتل أميركي من قوات «الدلتا» للقيام بعمليات عسكرية قتالة إلى جانب قوات الاحتلال في الاجتياح البري أو بهدف معرفة مواقع الأسرى والسعي لاستعادتهم.

ثالثاً- رغبة بايدن باستقدام دعم اللوبي الصهيوني وصوت الناخبين اليهود لدعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

كما تضمن الجانب السياسي رفضاً أميركياً فرنسياً بريطانياً يابانياً لمشروع قرار داخل مجلس الأمن، وهو ما وصف هذا الرفض بأنه فتح المجال لهذا الكيان وبضوء أخضر غربي وخاصة أميركي للقيام بأبشع صور الإجرام، كما حصل في استهداف مستشفى المعمداني، وهو ما أدى إلى كباش جديد داخل مجلس الأمن بين القوى الكبرى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وخاصة في ظل وجود قرارين، الأول: هو روسي تم رفضه، وتضمنت أبرز بنوده وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات ونبذ العنف وتبادل الأسرى، وهو مرفوض من الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، لكونه مشروعاً تقدمه روسيا وتدعمه الصين أولاً، ولكونه يوقف كل الأعمال الهمجية للكيان الإسرائيلي في قطاع غزة من دون التوصل لأي هدف تسعى تل أبيب ومن خلفها واشنطن لتنفيذه، سواء فيما يتعلق بالقضاء على الفصائل الفلسطينية وشلّ قدراتها الصاروخية وتدمير بنيتها العسكرية والقتالية، أو فيما يتعلق بتنفيذ مشروع التهجير أو غيره. الثاني: وهو مشروع قرار برازيلي أقرب لأن يكون غربياً، لكنه لم يعرض للتصويت بعد، بهدف توسيع دائرة المشاورات الخاصة به، والسعي لعدم رفضه من روسيا والصين، لكونه لا يتضمن وقف إطلاق النار ويجرم الفصائل الفلسطينية ويلزمها بتسليم الأسرى، وهو مرفوض من كل من الصين وروسيا، لكونه يمنح الكيان ومن خلفه الولايات المتحدة الضوء الأخضر لاستمرار التصعيد العسكري.

أما الجانب السياسي الثالث فقد تمثل في قيام بايدن بتعيين ديفيد ساترفيلد مبعوثاً أميركياً خاصاً للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، وهو ما يعني أولاً أن أميركا تريد محاولة تخفيف حدة الضغط العربي والدولي عليها من أجل دفع الكيان الإسرائيلي لفتح ممرات إنسانية وعدم انتهاك القانون الإنساني الدولي، الذي يراعي حياة المدنيين وممتلكاتهم وغيرها سواء التي حددت في إطار اتفاقية لاهاي وخاصة المادة ٢٥ منها، أو ما نصت عليه اتفاقات جنيف الأربعة والبروتوكولات الملحقة بها. وثانياً تعيين مبعوث أميركي خاص للقضايا الإنسانية وهذا يعني أن المعاناة الإنسانية لأهالي قطاع غزة مستمرة لفترة طويلة، وواشنطن تنفذ مطالب تل أبيب التي قد تسعى لمقايضة المساعدات الإنسانية بالأسرى لدى الفصائل الفلسطينية في أبشع صور الابتزاز التفاوضي التي قد نشهدها خلال المرحلة المقبلة. ثالثاً انتقاء ساترفيلد لم يكن عبثياً فهو يتمتع بسجل دبلوماسي يمتد لقرابة أربعة عقود، وكان له دور مخرب في الشرق الأوسط وخاصة في مرحلة عمله كسفير في لبنان وأثناء توليه منصب وزير الخارجية الأميركي.

ويعد ساترفيلد مهندس العديد من الاتفاقات في قضايا الصراع بالمنطقة، وهو على دراية بكل ملفاتها نتيجة عمله فيها لفترة طويلة، وأبرز تلك الملفات:

– ساهم عام ١٩٩٥ بوضع معالم خريطة الطريق لما يسمى السلام بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين.

– شارك في وضع اتفاق انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان ٢٠٠٥، بعد الضربات الموجعة التي تلقتها هذه القوات، وبرز دوره في التوصل لاتفاق الخط الأزرق الذي تنتشر فيه قوات الأمم المتحدة في الجنوب.

أما على المستوى العسكري، فإن التلويح باستخدام القوة العسكرية ضد أي من فواعل محور المقاومة في حال دخولها في هذا الصراع، فهو يؤكد السعي الأميركي لتنفيذ التزامات محددات سياسته الخارجية فيما يتعلق بالكيان المغتصب سلماً أم حرباً، وخاصة أن حكومة الاحتلال أو ما باتت تعرف اليوم بحكومة الطوارئ في الكيان، هي مازالت تصر على استكمال مغامرتها الهمجية في قطاع غزة، والمصادقة السياسية على شن حرب برية، رغم حصول خلافات داخل «الكابينت» حول هذه العملية البرية على القطاع للسيطرة عليه بشكل جزئي أو كلي.

إذ إن البدء بشن هذه العملية بعد استدعاء ٣٠٠ ألف جندي من الاحتياط ووجود ما يقارب من العدد ذاته أو أكثر بقليل في الخدمة، وتشكيل حكومة الحرب ووجود دعم غربي غير محدود لهذه الحكومة، والرغبة باستعادة هيبة الكيان وصورته التي اهتزت بعد عملية طوفان الأقصى جميعها عوامل تؤكد توجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للعب بالنار والمجازفة بشكل قد لا يحمد عقباه ومما يؤكد هذه المجازفة مروحة من النقاط التي يمكن ذكرها وفق التالي:

أولا- تهديد بعض القوى الإقليمية وخاصة في جنوب لبنان بالمشاركة في هذه الحرب في حال شن الكيان المحتل الاجتياح البري.

ثانياً- تهديد المتحدث الرسمي لكتائب القسام أبو عبيدة بمواجهة غير مسبوقة، مؤكداً في إطلالة إعلامية له منذ أيام، أن تسعة أعشار القسام هي في انتظار هذه القوات بجهوزية.

ثالثاً- التسرع في الإعلان عن بدء العملية البرية في ظل وجود ضغوط إقليمية ودولية على الكيان لوقف الاعتداء الهمجي على قطاع غزة وارتكاب العديد من المجازر، ومن ثم التراجع عنها بذريعة الظروف الجوية، في انتظار زيارة بايدن وما قد يتمخض عنها من مشاركة قوات الدلتا في الإشراف على هذه العملية.

رابعاً- معنويات جنود الاحتلال وقدراتهم القتالية، إذ إن معظم جنود الاحتياط الذين في الخدمة اليوم يفتقرون إلى قدرات المواجهة المباشرة ويحتاجون إلى تدريبات تأهيلية لذلك، كما أن معنويات جنود الاحتلال وخاصة بعد عملية الطوفان في أدنى مستوياتها.

خامساً- جهل معظم الجنود الصهاينة لجغرافية المناطق في مقابل امتلاك الفصائل ورقة الأنفاق والاستعداد والمعرفة الجغرافية.

سادساً- الاحتقان الشديد الذي بات يسيطر على نفوس الغزاويين نتيجة المجازر الكبيرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في أنفسهم، وبالتالي قد نشهد مواجهة شعبية ضد هذا الاجتياح إلى جانب قتال الفصائل.

سابعاً- السعي الإسرائيلي لاستغلال القوة المفرطة في مياه المتوسط للقيام بعمل استفزازي على مستوى المنطقة بهدف جر واشنطن لحرب وكالة نيابة عن الكيان في إضعاف دول محور المقاومة، أو بعضها.

زيارة بايدن للمنطقة في بعض جوانبها فشلت قبل أن تبدأ بعد مجزرة مشفى المعمداني، ولاسيما بعد اتخاذ قرار بإلغاء الاجتماع الرباعي في عمّان، لذلك سيسعى بايدن لخفض مؤشرات التصعيد عبر الضغط على الكيان لفتح معابر إنسانية وتهدئة مؤقتة، لكن في حال فشله بتحقيق ذلك فإن التصعيد خطر جداً وستكون تداعياته على مستوى المنطقة، كما أن سمعة الولايات المتحدة الأميركية ستتراجع أكثر على مستوى المنطقة، وخاصة مع تزايد الاحتقان الشعبي العربي وزيادة معدلات إحراج بعض الأنظمة، وهو ما قد يمنح دول محور المقاومة المزيد من الشرعية المطلقة للقيام بأعمال عسكرية قتالية ضد القوات الإسرائيلية والأميركية، لذلك نحن أمام ثمان وأربعين ساعة ستكون مفصلية أمام المنطقة التي باتت على صفيح ساخن.

Exit mobile version