Site icon صحيفة الوطن

التضخم.. وتضخم الأزمات!

من البدهي أن تترك الأحداث والنزاعات وتداعياتها آثاراً على عجلة النمو الاقتصادي في اقتصادات الدول العظمى، وتتأثر الاقتصادات الناشئة والضعيفة بطبيعة الحال تلقائياً بحالة الوهن أو رشح الاقتصادات الكبرى.

فالمتابع اليوم للتطورات الاقتصادية والمالية الحاصلة في العالم بصورة عامة، والتركيز بصفة خاصة على أبرز المؤشرات الأساسية «النمو الاقتصادي والتضخم والبطالة، وعجوزات المالية، ومعدلات الفائدة في بعض الدول» يلحظ أنها تتجه نحو منطقة تقاطع أو تصادم في الأفق المستقبلي، تؤكدها تأثرات واضحة مع بطء لتراجع معدلات النمو مقارنة بتوقعات المستثمرين والأسواق وقبلها البنوك المركزية التي تتحكم ببعض الاقتصادات ومؤشراتها التشغيلية، وخاصة الأخيرة التي اجتمعت أغلب تقديراتها حول ما سمته الهبوط السلس للاقتصاد، متجاوزاً بغموضه حدود تفسير البعض بتمتع النمو الاقتصادي بمرونة أكبر من السابق، ويزيد المسألة تعقيداً أكبر التماسك الكبير الذي أظهرته أسواق العمل، عبر زيادة الوظائف بأعلى من التوقعات من جانب، واستقرار معدل البطالة عند أدنى مستوياته التاريخية «الولايات المتحدة» نموذجاً.

من جانب آخر، وفي الوقت الذي اتخذت فيه البنوك الرئيسية إجراءات أخرى وصفت بأنها أوسع وأسرع خطوات تاريخية تتعلق برفع معدل الفائدة وتشديد السياسات النقدية، بهدف كبح جماح التضخم الأكبر خلال أكثر من أربعة عقود مضت، إلا أن نتائج كل التدخلات حسب المؤشرات الاقتصادية لم تأت بأي نجاحات.. فقد أظهر التضخم مناعة أكبر مما توقعته البنوك المركزية والأسواق العالمية، فالكل بات يعاني من عبء التضخم وعدم المقدرة على مجابهته، واتخذ مساراً تصاعدياً في بعض الدول وصار كابوساً مقلقاً لدى البلدان وعائقاً خطراً يحد من كل تحركات الإنتاج والنمو وعلى كل مرفق.. وظل التضخم الذي يعبر عن مؤشر أسعار المستهلك الأساس والمسبب للتقلبات السعرية الخطرة في ظل سيطرة مخاوف عدة من دول عملاقة اقتصادياً أن تبقى حالة كهذه مسيطرة.. فكيف ستكون التداعيات على اقتصادات منطقتنا؟

من يدعي أنه بمقدور أي اقتصاد أن يعيد نشاطه أو نموه بعيداً عن أي حالة اضطراب يكون مخطئاً، فالاقتصادات تتأثر ببعضها وبالمؤشرات العاصفة، وفي حالة الأزمات المالية والحروب تتسع الهوة وتصبح المعالجات مرهقة ومكلفة.

وهناك آراء تقول: إن الأزمات المالية ستبقى ويخشى من أن تتوسع أكثر، أي إن التضخم سيظل جاثما على رئات اقتصادات البلدان الضعيفة سنوات طويلة.. ناهيك عن حالة الاتساع المستمر لحالة الاضطرابات والصراعات الجيوسياسية في العديد من أنحاء العالم، التي زادت أخيراً بارتفاع حدتها في منطقة الشرق الأوسط.

إن من يراقب التطورات والأحداث المتتالية التي شهدها العالم بشكل عام، والاقتصاد العالمي كأحد أهم مجالاتها خلال العقد الزمني الأخير، بكل ما شهده من تطورات وأحداث تاريخية مفصلية وغير مسبوقة، وما أفضت إليه تأثيراتها المتتالية فيما بعدها من تطورات، سيتأكد لديه أن العقد المقبل من عمر البشرية والعالم سيكون على مواعيد تاريخية وتطورات غير مسبوقة، يزيد من عمقها وتأثيراتها في حياة العالم المعاصر في المستقبل القريب قبل أن يكون بعيداً، ما يشهده العالم من تطورات عملاقة ومتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي والحروب السيبرانية، التي بدأت تضع بصماتها بسرعة كبيرة جداً، وأصبحت تتدخل في تحديد أنماط الحياة والإنتاج واتخاذ القرار على المستويات كلها، بصورة باتت في حكم المؤكد أن العالم بأسره سيتجه -في ظل العوامل والمتغيرات الراهنة- وتحت تأثيراتها الواسعة والعميقة جداً، نحو مستقبل منفصل بدرجة كبيرة عن الماضي أولاً، وثانياً نحو تشكل عوالم متفاوتة ومتمايزة بدرجة كبيرة على مستويات الحياة والحضارة والمدنية كلها.

تغيرات حادة ومؤلمة لا شك، وتأثر بها الاقتصاد دون غيره، وإذا استمرت الأحداث والحروب فالمفرزات ستتوغل أكثر وأكثر، وتصبح فاتورة العلاج الحكومي مرهقة وقد لا تقدر على حملها، وخاصة بعد ما جاء مشروع ميزانية العام المقبل تقشفي بامتياز.. فلا أحد يستطيع تقديم فهم ما ستقوم به الحكومة من معالجات.. وإذا فرضنا حسناً فإن فرص النجاح ضئيلة وغير مشجعة!

Exit mobile version