Site icon صحيفة الوطن

من ثانت إلى غوتيريش

في خضم تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والدعم اللا محدود الذي تقدمه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للكيان في ذاك العدوان، يدفع ما يجري من أحداث بالبعض أو الكثير إلى البحث عن حلول، وإلى التقليب في أوراق التاريخ، وجلسات مجلس الأمن لإيجاد مقاربات تاريخية شبيهة للحل وفقها «رغم ندرتها» لما تتعرض له غزة من إبادة على يد المجرم الصهيوني، وإلى إيجاد صورة عبر التاريخ يمكن القياس من خلالها لإيقاف الحرب الإسرائيلية على سكان غزة.

إيجاد صورة، أو حل يمكن النسج على منواله، قد يبدو ضرباً من المحال، لا لسبب عدم وجودها بل لغياب الإرادة الدولية من جهة، ولعدم وجود الشبيه الذي يمكن مقارنته بالكيان الصهيوني لجهة تمرده على الشرعية الدولية والاستهتار بقراراتها نتيجة الحماية التي توفرها له المظلة الأميركية، وإذا كانت الرسالة التي وجهها الأمين العام السابق للأمم المتحدة يو ثانت إلى مجلس الأمن الدولي في كانون الأول من العام 1971 وأكد فيها أن «العمليات العسكرية بين الحكومة الباكستانية والانفصاليين البنغال تهدد الأمن والسلم الدوليين» وما نتج عنها من قرارات في مجلس الأمن أدت إلى وقف فوري لإطلاق النار في كشمير وتقديم مساعدة دولية فورية للمدنيين في مناطق الصراع للتخفيف من معاناتهم، هي الأقرب لإيقاف العدوان الإسرائيلي عبر تعميم توصيات رسالة ثانت، كما يمكن البناء عليها من خلال التعاطي بشكل أكبر وأكثر جدية مع تفعيل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وللمرة الأولى في ولايته، المادة التاسعة والتسعين من ميثاق الأمم المتحدة، على خلفية تطور العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث تنص المادة على أن «للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين».

بطبيعة الحال، يشكل إقدام غوتيرش على تفعيل المادة التاسعة والتسعين، خطوة جريئة، ومساً بالخطوط الحمر التي رسمتها واشنطن بما يخص ربيبتها إسرائيل، إلا أنها تبقى خطوة ناقصة بحاجة إلى المزيد من الجرأة، وتسمية الأمور بمسمياتها، من يرتكب الإرهاب ومن يدعمه ومن يعطل عمل مجلس الأمن ويهدد السلم والأمن العالميين، وخاصة أن غوتيريش لم يتوقف عند خطوة تفعيل المادة «التاسعة والتسعين» بل أعلن الأحد الماضي أمام منتدى الدوحة في قطر، أن مجلس الأمن أصابه الشلل بسبب الانقسامات الجيوإستراتيجية، وأن سلطة ومصداقية المجلس قد تم تقويضها بشدة، بسبب تأخر تحركه حيال الحرب على غزة، واعتبرها ضربة لسمعته، والتي تفاقمت مع استخدام الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» يوم الجمعة الماضي ضد قرار يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني في القطاع.

الغريب في مسألة دعم الولايات المتحدة الأميركية للكيان الصهيوني أنه لا يتوقف عند حدود العسكرة ومده بشتى أنواع الأسلحة، بل إن الأمر يصل حد الوقاحة بالبعض من الساسة الأميركيين درجة تهديد الأمين العام للأمم المتحدة، ليكون في ذات العنصرية الصهيونية، وفي كثير من الأحيان يكونون «ملكيين أكثر من الملك» حال السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، الذي قال مؤخراً: «بالنسبة لصديقنا في الأمم المتحدة (غوتيريش) أعني، قبل هذه الحرب، كانت لديك مشكلة مع الولايات المتحدة، وبعد هذه الحرب، لديك مشكلة كبيرة مع الولايات المتحدة (…) دعوني أخبركم أن الأمم المتحدة الآن، هي الهيئة الأكثر معاداة للسامية على هذا الكوكب»!

تهديد ليندسي هو انعكاس لسياسة الاصطفاف الأعمى إلى جانب الكيان الصهيوني، الذي تنتهجه إدارة الرئيس جو بايدن، وجميع الإدارات الأميركية من دون تمييز بين جمهوري وديمقراطي، وتأكيد على الشراكة في الجرم والإبادة التي تشن ضد سكان قطاع غزة، الأمر الذي يؤكد ضرورة ولادة عالم دولي متعدد الأقطاب، وضرورة النظر في آلية عمل مجلس الأمن، بما يمكنه من ملاحقة القتلة في الكيان الإسرائيلي.

Exit mobile version