Site icon صحيفة الوطن

القناعة أم الطمع؟

| د. اسكندر لوقا

حتى نجيب عن سؤال كهذا في حياتنا لا بد من القول بأن الطمع هو واحد من الغرائز العديدة التي تولد مع الإنسان وتزداد وضوحا لديه مع مرور الزمن وتقدم العمر، سواء بحكم التقاليد أو بحكم التربية. وفي كلتا الحالتين، يندرج الطمع تحت عنوان الجشع حيث يبدو الإنسان كأنه جاء إلى الحياة كي يأكل ويشرب ويكتنز المال ولا يرتوي أو يكتفي بما يناله.
والطمع إذ يتخطى به صاحبه كل المسلمات المعترف بها في أي من المجتمعات، قديمها وحديثها على حد سواء، وصولا إلى نقطة إقناع ذاته بأنه الأحق بامتلاك ما يحلو له ومن دون مقابل فقط لأنه- في نظر نفسه- هو الأجدر من سواه لأسباب لا يعنيه أن يعرفها الآخرون عنه، يصعب الحوار معه حول قيمة وأهمية أن يستمتع الإنسان بالحياة قبل أن يغادرها في رحلة أبدية، مكتنزا مالا لا مخلفا وراءه سمعة طيبة.
وبطبيعة الحال فإن مخلوقا من هذا الطراز لا يمكن أن يستكين له أحد حتى من بين معارفه وأقرب الناس إليه، فيدفعه ذلك، مع مرور الوقت، إما إلى الانكفاء على الذات أو إلى معاداة من هم حوله، وغالبا ما يحيل الطمع صاحبه إلى إنسان يحيا فقط لإرضاء غريزته التي لا تعرف الشبع أو الارتواء مهما قيل له إن الحياة تعني أكثر من مجرد الأكل والشرب واكتناز المال.
وفي الظروف الصعبة التي يمر بها مجتمع من المجتمعات، لأسباب موضوعية ويعاني منها أبناؤها، تأخذ ظاهرة الطمع بعدا إضافيا لأنها ترتبط بظاهرة أكثر بشاعة من سابقتها، أعني بها ظاهرة استغلال حاجات الناس اليومية لتأمين معيشتهم باكتنازها وبحفظها إلى أن يأتي زمن يلبي فيه أصحابها طمعهم على خلفية تلك الحاجات اليومية، وقد يكون بينها ما يتعلق بقدرة الإنسان على مواجهة مصير محتوم، بسبب من الجوع أو المرض وسوى ذلك.
وسورية إذ تعاني اليوم تبعات ظروفها الصعبة، فمن المفيد أن يتذكر المرء بأن هذه التبعات وإن تكن اليوم تؤرق البعض من أبنائها، فإنها قد تتخطى حدودها لسبب أو لآخر لتصيب المنتفعين منها، ومن هنا أهمية التذكير بمكانة الأخلاق في البلد، هذا السور الذي بدأ ينهار يوما بعد آخر على خلفية الطمع الذي لا يوصف بأقل من أنه اعتداء على حقوق الناس في حياة كريمة . ولذلك مفيد أن نستذكر معا نصيحة المؤرخ والأديب والشاعر عماد الدين الأصفهاني [1125-1201] وفيها قوله: اقنع ولا تطمع فإن الفتى كماله في عزة النفس.
هذه العزة نأمل جميعا أن تبقى شعار الإنسان العربي السوري كما كانت في السابق كذلك اليوم.

Exit mobile version