Site icon صحيفة الوطن

الشرق الأوسط.. حرب محدودة وتسوية مؤجلة

تستمر موجة التصعيد في الشرق الأوسط بالعزف على إيقاع الحرب المحدودة، إذ إن الأطراف جميعها تتحاشى نغمة الحرب اللامحدودة، على حين تقبع التسوية الشاملة في قوقعة التأجيل بانتظار حدوث مفاجآت أو صدمات يمكن أن تكون مؤثرة في ميزان القوى الدولية الفاعلة في المنطقة، بحيث يمكن إعادة ترتيب الملفات وفق معادلات جديدة تتيح حالة من الاستقرار المؤقت للمنطقة.

مثّلت وقائع الحرب بين المقاومة الفلسطينية وجيش كيان الاحتلال الإسرائيلي حدثاً كاشفاً لدرجة استعداد الفاعلين الدوليين لضبط حرب محدودة في الشرق الأوسط، على الرغم من أن هذه الحرب ساهمت في خلط أوراق المنطقة، إذ بدأت وقائعها بصورة مفاجئة للعدو والصديق على حد سواء، في ظروف تتسم بالتوتر العالي على المستوى الإقليمي والدولي، على ساحة تمثل نقطة اشتباك رئيسة بين قوى الإقليم ذاتها وبين القوى الدولية الفاعلة فيه، فأظهرت مدى تمكن إيران من بناء فضاء جيبوليتيكي فعال بقوة في المواجهة العسكرية مع الغرب وحلفائه في الشرق الأوسط، إذ إن حركات المقاومة في المنطقة ممثلة بالمقاومة اللبنانية واليمنية والعراقية على وجه التحديد، كشفت عن بناء طهران تحالفاً عميقاً معها قائماً على أعلى مستويات التنسيق، وهذا لابد أنه سيدفع بواشنطن وحلفائها إلى التفكير ملياً في كيفية تفكيكه، الأمر الذي يحتاج لوقت وجهد كبير، على اعتبار أن التحالف ليس أساسه عسكرياً فقط، بل له أبعاد ثقافية ودينية وتاريخية عميقة، وهنا يبرز التعليل لوصف التسوية بالمؤجلة، إذ إن بلورة حلول للمشكلات الراهنة ليس بالأمر الهيّن.

إذاً، يمثل الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي جزءاً رئيسياً، ومبلوراً للصراعات في المنطقة كلها، مع التأكيد أن السمة البارزة لتلك الصراعات تكمن في جذورها الثقافية الدينية، وبالتالي الاجتماعية، فالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يستند في طبيعته إلى الغرائز الطبيعية للإنسان، وفي مقدمتها الحاجة إلى الأمن وإثبات الوجود، وهذان المحددان كانا ومازالا يمثلان دافعاً رئيسياً للصراع سواء في فلسطين أو في منطقة الشرق الأوسط كلها، على اعتبارها منطقة منقسمة دينياً وعرقياً.

واستناداً إلى علم النفس وعلم الاجتماع، فإن المحافظة على النفس، المتولدة من غريزة حب البقاء، تشكل بحد ذاتها الدافع الاقتصادي للحرب، بمعنى تقود إلى التفكير مليّاً في الخسائر المترتبة على الحرب، وهذا حال كل الدول في الوقت الراهن، إذ تدفعها غريزتي حب البقاء وإثبات الوجود، إلى الموازنة بين إثارة الحرب والاقتصاد فيها، وهو ما يمثل تفسيراً لوصف الحرب في الشرق الأوسط بالحرب المحدودة، وهو ما يفسر على نطاق أوسع تراجع الحروب التقليدية في العالم، على غرار الحروب التي نشبت في النصف الأول من القرن الماضي.

تقودنا المنهجية السابقة في فهم منطق الدول في التفكير بالحرب إلى ترجيح نظرية محدودية الحرب واقتصارها في الوقت الراهن على حركات المقاومة في محور المقاومة، معتمدة على أسلوب الضربات المتبادلة وليس جبهات الحرب المفتوحة، وأن التوترات الحالية المتصاعدة والمتبلورة بشكل رئيس في الضربات الأميركية الإسرائيلية من جهة بمقابل الضربات من قبل إيران ومحور المقاومة من جهة أخرى، تأخذ طابعاً دراماتيكياً، هدفه التأثير في الرأي العام، ليس أكثر، وإلا فكيف يمكن تفسير خلو المقرات المستهدفة من عناصرها عند استهدافها، في شكل جديد من أشكال الحروب في العلاقات الدولية!

إن التصعيد الحالي المترافق مع تسوية القوى الأساسية في الإقليم لخلافاتها البينية المستمرة منذ عقود، تلك القوى المتمثلة في المملكة العربية السعودية وإيران ومصر وتركيا وسورية، يزيد كذلك من رجحان كفة الحرب المحدودة، إذ ليس هناك رغبة في العودة إلى القطيعة، ويمثل تصاعد الحديث عن تطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل إلى ترجيح فرضية اقتراب انتهاء الحرب في غزة، ومن ثم تراجع التصعيد العسكري في المنطقة كلها، وهو ما تنتظره شعوب المنطقة بلهفة.

بناء على ما سبق، من المرجح أن تستمر حالة عدم الاستقرار في المنطقة، ثلاثة أشهر لاحقة، لاعتبارات ترتبط بخصوصية المنطقة الدينية، لتدخل بعدها في مرحلة استقرار هش بانتظار تسوية شاملة مؤجلة، إذ يتطلب إقامة مثل تلك التسوية فكفكة مشكلات الإقليم وإعادة بناء التوازن الدولي فيه، وحتى ذاك الحين يبقى اللاتعيين، الصفة الغالبة على منطقة الشرق الأوسط، وهو ما سيجعل كل الدول الفاعلية فيه غير قادرة على اتخاذ القرار الإستراتيجي الدقيق، ومن ثم فإن خيار اللاحرب، يمثل الخيار الأكثر عقلانية، بانتظار التسوية الشاملة.

كاتب سوري

Exit mobile version